للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخرج مسلمٌ من حديث سراقة بن مالكٍ، أنه قال: يا رسول الله! بَيِّن لنا ديننا كأنا خُلِقنا الآن، فيم العمل اليوم؟ أَفِيما جفَّت به الأقلام وجرت به المقادير، أم فيما نستقبل؟ قال: «بل فيما جفَّت به الأقلام وجرت به المقادير»، قال: ففيم العمل؟ قال: «اعملوا فكلٌّ مُيَسَّرٌ» (١).

والأدلَّة في هذا المعنى كثيرةٌ، وهي ظاهرة الدلالة على وجوب العمل، وعدم الاتِّكال على القدر، فالنبيُّ سُئل عن القدر، وأخبر أن الناس يعملون فيما جفَّت به الأقلام وجرت به المقادير، أي: أن أعمال الناس كلَّها مقدَّرةٌ جرت بها أقلام المقادير السابقة، وكذلك أخبر أنه جرت المقادير بكتابة أهل الجنَّة وأهل النار ومنازلهم في الدارين بما علمه الله بعلمه السابق لوجودهم.

ولما سُئل عن العمل أمر به، وقال: «اعملوا؛ فكلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِق له». أي: أن أهل السعادة ميسَّرون لعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة ميسَّرون لعمل أهل الشقاوة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وهذا من أحسن ما يكون من البيان؛ وذلك أن الله يعلم الأمور على ما هي عليه، وهو قد جعل للأشياء أسبابًا تكون بها، فيعلم أنها تكون بتلك الأسباب» (٢).

والمقصود أن الأحاديث صريحةٌ في وجوب الإيمان بالقدر والاجتهاد في العمل بالشرع.

قال ابن القيِّم: «فاتَّفقت هذه الأحاديث ونظائرها على أن القدر السابق لا يمنع العمل، ولا يوجِب الاتِّكال عليه، بل يوجِب الجدَّ والاجتهاد؛ ولهذا لما


(١) أخرجه مسلم (٢٦٤٨).
(٢) مجموع الفتاوى (٨/ ٦٨).

<<  <   >  >>