للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الرابع بيان النهي عن الاحتجاج بالقدر على المعاصي، وتوجيه محاجَّة آدم وموسى

لا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعاصي، بل الحجَّة قائمةٌ على العباد بما جعل الله لهم من الإرادة والاختيار والقدرة على أعمالهم من خيرٍ وشرٍّ. وقد دلَّت على ذلك الأدلَّة، وصرَّح به الأئمَّة في تقرير معتقد أهل السنَّة.

وبيان ذلك من وجوهٍ:

أوَّلًا: قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا

وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٨، ١٤٩]. فقد أنكر الله على المشركين احتجاجهم بالقدر على شركهم، وبيَّن أنه من التكذيب الذي وافقوا فيه من قبلهم، وأنهم لم يستندوا فيه لعلمٍ صحيحٍ، بل هم متَّبعون فيه للظنِّ والتخرُّص، وأنه ليس لهم في ذلك حجَّةٌ، بل لله الحجَّة البالغة والحكمة التامَّة في هداية مَنْ هدى وإضلال مَنْ أضلَّ.

وفي معنى الآية السابقة قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النحل: ٣٥]، وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الزخرف: ٢٠].

وهذه الآيات هي حجَّةٌ على بطلان مقالة المحتجِّين بالقدر من هذه الأمَّة، وأنهم متشبِّهون في هذا بالمشركين الذين بيَّن الله بطلان مقالتهم بأبلغ حجَّةٍ.

<<  <   >  >>