للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: «فهؤلاء المحتجُّون بالقدر على سقوط الأمر والنهي من جنس المشركين المكذِّبين للرسل، وهم أسوأ حالًا من المجوس. وهؤلاء حجَّتهم داحضةٌ عند ربِّهم، وعليهم غضبٌ، ولهم عذابٌ شديدٌ» (١).

ثانيًا: قول الله تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٦٥]. فأخبر الله أنه ليس للناس على الله حجَّةٌ بعد إرسال الرسل، ولو كان الاحتجاج بالقدر حجَّةً صحيحةً؛ لكان للمشركين وسائر الكفرة يوم القيامة حجَّةٌ على الله، ولم يعذِّبهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: «ولو كان القدر حجَّةً لأحدٍ لم يعذِّب الله المكذِّبين للرسل، كقوم نوحٍ وعادٍ وثمود والمؤتفكات وقوم فرعون، ولم يأمر بإقامة الحدود على المعتدين» (٢).

ثالثًا: أن الاحتجاج بالقدر لو كان حجَّةً صحيحةً لأصحاب الذنوب ويمنع من العقوبة واللوم عليها؛ فهو حجَّةٌ أيضًا لمن عاقبهم ولامهم وذمَّهم على ذنوبهم. ويُذكَر أن رجلًا سرق، فقال لعمر: سرقتُ بقضاء الله وقدره، فقال له عمر: «وأنا أقطع يدك بقضاء الله وقدره» (٣).

رابعًا: أنه يلزم مَنْ احتجَّ بالقدر على الذنوب ألَّا يلوم أحدًا على خطأ، ولا ينتصر من ظالمٍ ظَلَمَه، ولا يطالب بمعاقبة معتدٍ اعتدى عليه في نفسٍ أو مالٍ أو عرضٍ؛ لأن ذلك كلَّه بقضاء الله، فلا لوم ولا عقوبة على أحدٍ في شيءٍ من ذلك.


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ٤٥٣).
(٢) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص: ١٣٣).
(٣) انظر: منهاج السنة (٣/ ٢٣٤)، وشرح الطحاوية (ص: ١٠٥).

<<  <   >  >>