للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القديم محدَثًا والمحدَث قديمًا، وإلا فمهما قُدِّر في الذهن وكان وجوده ممكنًا -والله قادرٌ عليه- فليس بظلمٍ منه؛ سواءٌ فعله أو لم يفعله.

وتلقَّى هذا القول عن هؤلاء طوائف من أهل الإثبات من الفقهاء وأهل الحديث من أصحاب مالكٍ والشافعيِّ وأحمد وغيرهم ومن شرّاح الحديث ونحوهم، وفسَّروا هذا الحديث (١) بما ينبني على هذا القول. وربَّما تعلَّقوا بظاهرٍ من أقوالٍ مأثورةٍ، كما رُوِّينا عن إياس بن معاوية أنه قال: «ما ناظرت بعقلي كلِّه أحدًا إلا القدريَّة، قلت لهم: ما الظلم؟ قالوا: أن تأخذ ما ليس لك، أو أن تتصرَّف فيما ليس لك. قلت: فلله كلُّ شيءٍ». وليس هذا من إياسٍ إلا ليبيِّن أن التصرُّفات الواقعة هي في ملكه، فلا يكون ظلمًا بموجَب حدِّهم» (٢).

[القول الثالث: (قول المعتزلة).]

عرَّفوا الظلم بأنه: إضرار غيرِ مستحقٍّ (٣).

وقال القاضي عبد الجبَّار: «الظلم: كلُّ ضررٍ لا نفع فيه، ولا دفع ضررٍ» (٤).

وقالوا: الظلم الذي يتنزِّه الله عنه هو الظلم الذي يكون من الآدميِّين بعضهم لبعضٍ، فشبَّهوا أفعاله بأفعال العباد، ثم زعموا أن خلقه لأفعال العباد وإرادته لأعمالهم وتعذيبه للعاصي ظلمٌ منه يتنزَّه عنه، ونفوا كلَّ ذلك عنه بدعوى العدل، وسمَّوا أنفسهم العدليَّة (٥).


(١) يعني الحديث القدسيَّ: «يا عبادي، إني حرَّمت الظلم على نفسي … ».
(٢) مجموع الفتاوى (١٨/ ١٣٨ - ١٣٩).
(٣) جامع الرسائل (١/ ١٢٧).
(٤) شرح الأصول الخمسة (ص: ٣٣٤).
(٥) انظر: مجموع الفتاوى (١٨/ ١٣٨)، ومنهاج السنة (٥/ ٩٦).

<<  <   >  >>