أصل الخلاف في القدر يرجع إلى مقالتين مخالفتين للكتاب والسنَّة وما عليه سلف الأمَّة، وهما (مقالة القدريَّة)، و (مقالة الجبريَّة).
أوَّلًا: مقالة القدريَّة:
وهي القول بقدرة العبد على فعله قدرة تامة، وإنكار مراتب القدر كلها كما هو قول أوائلهم وغلاتهم، أو إنكار المشيئة والخلق كما هو قول متأخريهم.
وأوَّل ظهور مقالة القدريَّة في أواخر عصر الصحابة ﵃ في خلافة عبد الملك بن مروان (١).
وكان أوَّل ما ظهرت مقالة القدريَّة في البصرة على يد معبد الجهنيِّ.
على ما أخرج الإمام مسلم، عن يحيى بن يعمر، قال: كان أوَّل من قال في القدر بالبصرة معبد الجهنيُّ، فانطلقت أنا وحُميد بن عبد الرحمن الحِمْيَريُّ حاجَّين -أو معتمرين-، فقلنا: لو لقينا أحدًا من أصحاب رسول الله ﷺ، فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوُفِّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطَّاب داخلًا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليَّ، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قِبَلَنا ناسٌ يقرؤون القرآن، ويتقفَّرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أُنُفٌ، قال: «فإذا لقيتَ أولئك فأخبرهم أني بريءٌ منهم، وأنهم بُرآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو أن لأحدهم مثل أحدٍ
(١) منهاج السنة (٦/ ٢٣١)، سير أعلام النبلاء (١١/ ٢٣٦).