للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثًا: باعتبار موضوع الكلام:

موضوع الكلام مؤثِّرٌ في حكم الكلام ومدحه أو ذمِّه. ولذا كان من المسائل المشهورة في باب (الكلام) تفاضل الكلام باعتبار المتكلِّم، وباعتبار المتكلَّم فيه.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: «الكلام له نسبتان: نسبةٌ إلى المتكلِّم به، ونسبةٌ إلى المتكلَّم فيه، فهو يتفاضل باعتبار النسبتين» (١).

والكلام في القدر إذا كان فيما يمكن تحصيل علمه من المسائل، وما تضمَّنه خطاب الشارع -كمعرفة منزلة الإيمان بالقدر من الدين، ووجوبه على المسلمين، وتعلُّم مراتبه، ونوعي الإرادة، وأقسام الهداية، وغيرها من المسائل التي دلَّت عليها الأدلَّة-؛ فالكلام في هذا الباب من العلم المشروع المرغَّب في طلبه وتحصيله، بل هو داخلٌ في عموم التفقُّه في الدين المخاطب به عامَّة المسلمين بحسب درجة مشروعيَّته. فما تعلَّق منه بواجبٍ وجب تعلُّمه، وما تعلَّق منه بمستحبٍّ نُدِب إلى معرفته.

وإن كان الكلام فيما حُجِب علمه عن الخلق -كتكلُّف معرفة سرِّ الله في القدر، والبحث عن حكمة الله لم هدى فلانًا وأضلَّ فلانًا؟ وأعطى هذا ومنع هذا؟ -؛ فالكلام في هذا مذمومٌ. وهذا ما حذَّر منه السلف تحذيرًا صريحًا، ونهوا عن الخوض فيه، وشدَّدوا فيه أيَّما تشديدٍ:

فعن عليِّ بن أبي طالبٍ ، أنه سأله رجلٌ، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر؟ فقال: «طريقٌ مظلمٌ لا تسلكه»، فأعاد السؤال، فقال: «بحرٌ عميقٌ فلا تلجه»، فأعاد السؤال، فقال: «سرُّ الله في الأرض قد خفي عليك


(١) مجموع الفتاوى (١٧/ ٥٧).

<<  <   >  >>