للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في غير موضعه، وأن كلَّ ذلك عدلٌ منه و ليس بظلمٍ في حقِّه، بدعوى أنه متصرِّفٌ في ملكه. فقد كذبوا على الله بنسبتهم له ما نفى عن نفسه من الظلم، ونفيهم عنه ما أثبت لنفسه من الحكمة.

وأما المعتزلة ومَن وافقهم فأخطؤوا من وجوهٍ أيضًا:

الأوَّل: أنهم جعلوا الظلم الذي يتنزَّه الله عنه هو الظلم الذي يكون من الآدميِّين بعضهم لبعضٍ، فشبَّهوا أفعاله بأفعال العباد، فجعلوا يوجبون على الله سبحانه ما يوجبون على العبد، ويحرِّمون عليه من جنس ما يحرِّمون على العبد، ويُسمُّون ذلك (العدل والحكمة)، مع قصور عقولهم عن معرفة حكمته وعدله (١).

والله تعالى يقول: ﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [الرعد: ٤١]، وقال تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣].

الثاني: أنهم زعموا أن خلق الله لأفعال العباد، وإرادته لأعمالهم، وتعذيبه للعاصي؛ ظلمٌ منه يتنزَّه عنه. والله تعالى أثبت ذلك لنفسه، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦]، وقال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٩]، وقال تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٦٠]. فأثبت الله لنفسه خلق أعمال العباد، وأثبت أن مشيئتهم لا تنفذ إلا بمشيئته. وأخبر عن ثوابه لهم على الطاعات وعقابه لهم على السيِّئات، ثم نفى عن نفسه الظلم في ثوابهم وعقابهم.

وهؤلاء المعتزلة نفوا عن الله ما أثبت لنفسه وسمَّوه ظلمًا، وأثبتوا لله ما نفاه عن نفسه وسمَّوه عدلًا.


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٩١).

<<  <   >  >>