للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالث: أن قولهم بأن الظلم ممتنعٌ على الله يتضمَّن تعطيل عامَّة النصوص التي نفى الله فيها عن نفسه الظلم.

فلا يكون لقوله تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾ [غافر: ٣١] معنىً صحيحٌ؛ لأن الظلم المستحيل عليه لا يدخل تحت إرادته.

ولا يكون لقوله تعالى في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي» (١) مدلولٌ صحيحٌ؛ لأن ما امتنع عليه إنما لم يقع منه لامتناعه عليه لا لكونه حرَّمه على نفسه، فيكون بمنزلة قول الأعمى: (حرَّمت على نفسي أن أنظر إلى الجبل).

ولا يكون لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢] معنىً يُعقَل، فالمستحيل لا يُخاف منه أن يقع؛ لامتناع وقوعه، ويكون هذا نحو قول الأعمى: (أخاف أن أنظر إلى امرأةٍ أجنبيَّةٍ عليَّ) (٢).

الرابع: أن هؤلاء قد نسبوا إليه الظلم الذي نفاه عن نفسه في قوله: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢]، ونفوا عنه الحكمة التي أثبتها لنفسه في قوله: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: ٣٥ - ٣٦]، وقوله: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: ٢٨]؛ وذلك بتجويزهم عليه التسوية بين المطيعين والعصاة، بل بتفضيل العصاة على المطيعين، وأنه يجوز أن يعذِّب المطيعين والمتَّقين، وينعِّم العصاة والمجرمين. وأنه يجوز عليه وضع الشيء


(١) تقدم تخريجه ص (٧٢).
(٢) انظر: شفاء العليل (٢/ ٧٥٤).

<<  <   >  >>