للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيا: مقالة الجبريَّة:

وهي القول بجبر العبد على فعله، ودعوى أن الفاعل الحقيقيَّ هو الله، وإنما يُضاف الفعل للعبد مجازًا، وأصحابها يسمَّون (بالقدريَّة المثبتة).

وأوَّل من أظهر القول بالجبر: الجهم بن صفوان، وكان الجهم جمع بين ضلالتين، وهما: تعطيل صفات الله تعالى، والقول بالجبر، أي: دعوى أن العبد مجبور على فعله.

قال الشهرستانيُّ -في سياق ذكره لمقالات الجهم-: «منها قوله: لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه؛ لأن ذلك يقتضي تشبيهًا، فنفى كونه حيًّا عالمًا، وأثبت كونه قادرًا، فاعلًا، خالقًا؛ لأنه لا يوصف شيءٌ من خلقه بالقدرة، والفعل، والخلق» (١).

وقال البغداديُّ: «الجهميَّة: أتباع جهم بن صفوان الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال وأنكر الاستطاعات كلَّها … وقال: لا فعل ولا عمل لأحدٍ غير الله تعالى، وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز … ، وزعم أيضًا أن علم الله تعالى حادثٌ، وامتنع من وصف الله تعالى بأنه شيءٌ أو حيٌّ أو عالمٌ أو مريدٌ، وقال: لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره كشيءٍ وموجودٍ وحيٍّ وعالمٍ ومريدٍ ونحو ذلك، ووصفه بأنه قادرٌ وموجِدٌ وفاعلٌ وخالقٌ ومحيٍ ومميتٌ؛ لأن هذه الأوصاف مختصَّةٌ به وحده» (٢).

وبهذا يتبيَّن التلازم بين بدعتي التعطيل والقول بالجبر عند الجهم، وأن قوله بالجبر إنما كان لازمًا لقوله بالتعطيل، فإنه أراد أن ينزِّه الله عن مشابهة


(١) الملل والنحل (١/ ٨٦).
(٢) الفرق بين الفرق (ص: ١٩٩).

<<  <   >  >>