للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المخلوقات إلى مصالحها (١).

المرتبة الثانية: هداية الإرشاد والبيان للمُكَلَّفين، وهذه المرتبة أخصُّ من المرتبة الأولى، وأعمُّ من الثالثة، وهذه الهداية لا تستلزم حصول التوفيق واتِّباع الحقِّ، وإن كانت شرطًا فيه، أو جزءَ سببٍ، وذلك لا يستلزم حصول المشروط والمسبَّب، بل قد يتخلَّف عنه المقتضَى إما لعدم كمال السبب أو لوجود مانعٍ.

وهذه الهداية هي التي أثبتها الله لرسوله ؛ حيث قال: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢].

وهذه المرتبة هي حجَّة الله على خلقه التي لا يعذِّب أحدًا إلا بعد إقامتها عليه، قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥] (٢).

المرتبة الثالثة: هداية التوفيق والإلهام وخلق المشيئة المستلزمة للفعل، وهذه المرتبة أخصُّ من التي قبلها، وهي التي ضلَّ جهَّال القدريَّة بإنكارها، وصاح عليهم سلف الأمَّة وأهل السنَّة منهم من نواحي الأرض عصرًا بعد عصرٍ إلى وقتنا هذا.

وهذه المرتبة نفاها الله عن رسوله بقوله: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦].

وهذه المرتبة تستلزم أمرين:

أحدهما: فعل الربِّ تعالى، وهو الهدى.

والثاني: فعل العبد، وهو الاهتداء، وهو أثر فعله سبحانه، فهو الهادي والعبد المهتدي. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ [لإسراء: ٩٧]، ولا سبيل إلى


(١) انظر: شفاء العليل (١/ ٢٣١).
(٢) انظر: المصدر نفسه (١/ ٢٦٤).

<<  <   >  >>