للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الحق في ذلك والرد على المخالفين ووجه ضلالهم]

الحق في ذلك هو قول أهل السنة على ما تقدم تفصيله وبيانه مُوثَّقًا بالأدلة، وقد ضلَّ في هذه المسألة كلٌّ من القدريَّة والجبريَّة. ومنشأ ضلال الطائفتين: هو عدم التفريق بين الفعل والمفعول؛ فإنهم قد اتَّفقوا على أن الفعل هو المفعول، ثم افترقوا فيما فرَّعوا على هذه القاعدة المشتركة بينهم:

فقالت القدريَّة: نعلم أن الشرَّ ليس بفعلٍ لله، فلا يكون مفعولًا له؛ فنفوا أن يقع شرٌّ من العباد بمشيئته وخلقه؛ فنسبوا الله إلى العجز، وزعموا أنه يقع في خلقه ما لا يريد ولا يقدر عليه.

وقالت الجبريَّة: الشرُّ موجودٌ في مخلوقاته ومفعولاته، فلا بدَّ له من خالقٍ وفاعلٍ، فهو فعله وخلقه، ليس بفعل العبد. وقالوا: إنما يُقال: إن الله لا يفعل الشرَّ؛ أدبًا، كما لا يُقال: ربُّ الكلاب والخنازير.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة : «وهذا الموضع ضلَّ فيه فريقان من الناس الخائضين في القدر بالباطل:

فرقةٌ كذَّبت بهذا، وقالت: إنه لا يخلق أفعال العباد، ولا يشاء كلَّ ما يكون؛ لأن الذنوب قبيحةٌ، وهو لا يفعل القبيح. وإرادتها قبيحةٌ، وهو لا يريد القبيح.

وفرقةٌ لما رأت أنه خالق هذا كلِّه ولم تؤمن أنه خلق هذا لحكمةٍ، بل قالت: إذا كان يخلق هذا؛ فيجوز أن يخلق كلَّ شرٍّ، ولا يخلق شيئًا لحكمةٍ. وما ثَمَّ فعلٌ تنزَّه عنه، بل كلُّ ما كان ممكنًا جاز أن يفعله … وهذا منكرٌ من القول وزورٌ، كالأوَّل» (١).


(١) مجموع الفتاوى (١٤/ ٢٦٧ - ٢٦٦)، وانظر: مجموع الفتاوى (٨/ ١١٨).

<<  <   >  >>