للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حقيقةً، والذي قام بالربِّ ﷿ علمه وقدرته ومشيئته وتكوينه، والذي قام بهم هو فعلهم وكسبهم وحركاتهم وسكناتهم؛ فهم المسلمون المصلُّون القائمون القاعدون حقيقةً، وهو سبحانه المُقْدِر لهم على ذلك» (١).

وبهذا يتبيَّن أن أفعال العباد مخلوقةٌ لله تعالى باعتبار علم الله بها وكتابتها ومشيئتها وخلقه لها في العبد، وهي من فعل العبد باعتبار قيامه بها ومباشرته إيَّاها بما خلق الله فيه من قدرة وإرادة.

ولهذا فرَّق الأئمَّة بين الفعل والمفعول؛ فالفعل فعل العبد، وهو مخلوقٌ مفعولٌ للرب، وتصديق هذا من كلام الله قوله عزَّ من قائلٍ: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦]؛ فأخبر أنه خالقٌ لأعمال العباد، ولم يخبر أنه فاعلٌ لها، بل أخبر أنهم هم الفاعلون العاملون.

القول الثاني: قول القدريَّة، وبه قالت المعتزلة.

قالوا: إن العبد قادرٌ على فعل نفسه، وله فيه المشيئة الكاملة، والقدرة التامَّة، وأن مشيئته وقدرته مستقلَّةٌ عن إرادة الله وقدرته، وأن العباد خالقون لأعمالهم وأفعالهم، وأنها ليست مخلوقةً لله (٢).

قال القاضي عبد الجبَّار -وهو من أئمَّة القدريَّة-: «اتَّفق كلُّ أهل العدل على أن أفعال العباد مِنْ تصرُّفهم وقيامهم وقعودهم حادثةٌ من جهتهم، وأن الله أقدرهم على ذلك، ولا فاعل لها ولا محدث سواهم، وأن مَنْ قال: إن الله سبحانه خالقها ومحدثها؛ فقد عظم خطؤه» (٣).


(١) شفاء العليل (١/ ٢٠١).
(٢) انظر: مقالات الإسلاميّين (١/ ٢٩٨)، وشفاء العليل (١/ ١٩٣)، وشرح الطّحاوية (ص: ٦٣٩، ٦٤٠).
(٣) المغنِي في أبواب العدل والتّوحيد (٨/ ٣).

<<  <   >  >>