للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[القول الأول: (قول أهل السنة).]

قالوا بالتفصيل، فقالوا: إن العقل يُدرِك الحسن والقبح في بعض الأمور دون بعضٍ، وأن التحسين والتقبيح في الأفعال عقليَّان وشرعيَّان؛ فمن الأفعال ما هي متَّصفةٌ بصفات الحسن والقبح وتقتضي الحمد والذمَّ قبل ورود الشرع (١)، كإدراك العقول لحسن العدل ومدح فاعله، وإدراكها لقبح الظلم وذمِّ فاعله. ومنها ما لا يُدرَك حسنه وقبحه إلا بورود الشرع، كحسن قسمة الميراث بحسب ورود الشرع، وقبح الجمع بين خمس زوجاتٍ دون أربعٍ؛ فإن هذا لا يُعرَف إلا بالشرع. وسيأتي لهذا مزيد تقريرٍ لاحقًا.

وأما الثواب والعقاب؛ فهما شرعيَّان يتوقَّفان على أمر الشارع ونهيه، ولا يجبان بالعقل. والله لا يعاقب أحدًا إلا بعد بلوغ الرسالة، كما دلَّ عليه قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]، وقوله ﷿: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥] (٢).

وقد وضَّح شيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيِّم هذه المسألة، وبيَّنا ما يُعرَف حسنه وقبحه من الأفعال بالعقل والشرع، أو بالشرع وحده، وأن الأفعال بهذا الاعتبار على ثلاثة أنواعٍ (٣):

النوع الأوَّل: أن يكون الفعل مشتملًا على مصلحةٍ أو مفسدةٍ تُعرَف بالعقل قبل ورود الشرع بها، كما يُعلَم أن العدل مشتملٌ على مصلحة العالم، والظلم مشتملٌ على فسادهم. فهذا النوع يُعلَم حسنه وقبحه بالعقل والشرع، وأما ترتُّب


(١) انظر: درء التعارض (٥/ ٢٩٧)، (٨/ ٤٩٣). ومدارج السالكين (١/ ٢٤٧).
(٢) انظر: درء التعارض (٨/ ٤٩٣)، ومدارج السالكين (١/ ٢٤٧) وما بعدها.
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٣٦ - ٤٣٥)، ومدارج السالكين (١/ ٢٤٧).

<<  <   >  >>