للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثواب والعقاب؛ فهذا مما لا يُعلَم إلا بالشرع فحسب.

النوع الثاني: أن يكون الفعل مشتملًا على مصلحةٍ لا تُعرَف إلا بالشرع، فإذا أمر به الشارع صار حسنًا، وأن يكون الفعل مشتملًا على مفسدةٍ لا تُعرَف إلا بالشرع، فإذا نهى عنه الشارع صار قبيحًا، واكتسب الفعل صفة الحسن والقبح بخطاب الشارع.

كحسن قسمة الميراث بحسب ورود الشرع، فلا يُعرَف إلا بالشرع. قال تعالى في آخر آية الميراث من سورة النساء: ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١١].

قال السمعانيُّ: «أي: لا تعلمون أيُّهم أنفع لكم في الدين والدنيا. فمنهم مَنْ يظنُّ أن الآباء تنفع؛ فتكون الأبناء أنفع، ومنهم مَنْ يظنُّ أن الأبناء أنفع؛ فتكون الأباء أنفع، وأنتم لا تعلمون، وأنا أعلم بمن هو أنفع لكم، وقد دبَّرت أمركم على ما فيه الحكمة والمصلحة، فخذوه واتَّبعوه» (١).

وقال ابن عادل النعماني: «لما ذكر أنصباء الأولاد، وأنصباء الأبوين، وكانت العقول لا تدرك معاني تلك التقديرات، فربَّما خطر ببال الإنسان أن القسمة لو وقعت على غير هذا الوجه كانت أنفع له وأصلح، لا سيَّما وقد كانت قسمة المواريث عند العرب على غير هذا الوجه، فأزال الله تعالى هذه الشبهة بأن قال: إن عقولكم لا تحيط بمصالحكم، فربَّما اعتقدتم في شيءٍ أنه صالحٌ لكم، وهو عين المضرَّة، وربَّما اعتقدتم في شيءٍ أنه مضرَّةٌ، ويكون عين المصلحة، وأما الإله الرحيم فهو يعلم مغيَّبات الأمور وعواقبها، وكأنه قال: اتركوا تقديرات المواريث بالمقادير التي تستحسنها عقولكم وانقادوا للمقادير التي قدَّرها


(١) تفسير السمعاني (١/ ٤٠٣).

<<  <   >  >>