للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله تعالى عليكم» (١).

وكقبح الجمع بين خمس زوجاتٍ دون أربع؛ فإن هذا لو عُرِض على العقول لاختلفت فيه اختلافًا عظيمًا؛ فمن العقول ما لا تستقبح الجمع بين عددٍ كبيرٍ من النساء كعشرةٍ أو أكثر، ومن العقول ما قد تستقبح الجمع بين زوجتين فأكثر، ومنها ما قد تستقبح ثلاثًا دون اثنتين، أو أربعًا دون ثلاثٍ، أو خمسًا دون أربعٍ، وهذا هو الصواب الذي دلَّ عليه الشرع، ولولا الشرع ما عُرِف أنه الصواب والحكمة، وما عداه باطلٌ مخالفٌ للحكمة، لكن ليس كلُّ العقول تدركه؛ فإن الجمع بين أكثر من أربعٍ مظنَّة التقصير في الحقوق إما لعجزٍ أو حيفٍ، فمنع الشارع من الزيادة على الأربع سدًّا للذريعة المفضية لذلك، ولهذا لما أُمِن ذلك في حقِّ النبيِّ أباح الله له الجمع بين أكثر من أربعٍ، ولما كان بعض الرجال يضعف عن التعدُّد ولو كانتا اثنتين مُنِع من ذلك، كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء: ٣].

النوع الثالث: أن يكون الفعل مشتملًا على مفسدةٍ تُعرَف بالعقل، فيأمر به الشارع، ولا يكون المراد الفعل، وإنما يُراد منه الامتحان؛ هل يطيع العبد أم يعصي؟! ثم يُنسَخ الفعل لقبحه.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: «وإذا كان مقصود الآمر الامتحان للطاعة؛ فقد يأمر بما ليس بحسن في نفسه وينسخ» (٢).

ومثال ذلك: أمر إبراهيم بذبح ابنه كان للامتحان؛ فإن ذبح الابن قبيحٌ، وقد دلَّ على قبحه تحريم الله له، ووصفه لفاعله بالخسران والسفه، كما في


(١) اللباب في علوم الكتاب (٦/ ٢٢١).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (١٤/ ١٤٦)، (٨/ ٤٣١).

<<  <   >  >>