للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن اختلفوا في حقيقة الظلم المنفيِّ عن الله على ثلاثة أقوالٍ:

القول الأول: (قول أهل السنَّة):

قالوا: حقيقة الظلم المنفيِّ عن الله تعالى: وضع الأشياء في غير مواضعها. فهو متنزِّهٌ عنه، مع اتِّصافه بكمال ضدِّه، وهو العدل الذي هو وضع الأشياء في مواضعها التي تليق بها. وهو سبحانه يفعل باختياره ومشيئته، فيعدل تفضُّلًا، ولا يظلم تنزُّهًا، وهو مستحقٌّ للحمد والثناء على تفضُّله وتنزُّهه (١).

ويدخل في عموم الظلم الذي يتنزَّه الله عنه ما ذكره سبحانه في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢]. قال ابن عبَّاس: «لا يخاف ابن آدم يوم القيامة أن يُظلَم فيُزاد عليه في سيِّئاته، ولا يُظلَم فيُهضَم في حسناته» (٢). وبهذا قال جمعٌ من المفسِّرين (٣).

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة -في سياق حكايته للأقوال في مسألة الظلم المنفيِّ عن الله بعد ذكره لقولي المعتزلة والجهميَّة-: «والصواب القول الثالث، وهو: أن الظلم وضع الأشياء في غير مواضعها، وكذلك ذكره أبو بكر بن الأنباريِّ وغيره من أهل اللغة، وذكروا على ذلك عدَّة شواهد، كما قد بُسِط في غير هذا الموضع، وحينئذٍ فليس في الوجود ظلمٌ من الله سبحانه، بل قد وضع كلَّ شيءٍ موضعه مع قدرته على أن يفعل خلاف ذلك، فهو سبحانه يفعل باختياره ومشيئته، ويستحقُّ الحمد والثناء على أن يعدل ولا يظلم» (٤).


(١) انظر: جامع الرسائل (١/ ١٢٩)، وشفاء العليل (٢/ ٥١٠).
(٢) تفسير الطبري (١٦/ ١٧٦).
(٣) انظر: تفسير الطبري (١٦/ ١٧٦)، ومجموع الفتاوى (١/ ٢١٩)، وتفسير السمعاني (٣/ ٣٥٧)، وتفسير البغوي (٥/ ٢٩٦).
(٤) جامع الرسائل (١/ ١٢٩).

<<  <   >  >>