للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[بيان الحق في ذلك ووجه ضلال المخالفين والرد عليهم]

الحق في هذه المسألة هو ما عليه أهل السنة والجماعة وهو أن حقيقة الظلم المنفيِّ عن الله تعالى: وضع الأشياء في غير مواضعها، مع اتِّصافه بكمال ضدِّه، وهو العدل. والإيمان بأنه سبحانه يفعل باختياره ومشيئته، فيعدل تفضُّلًا، ولا يظلم تنزُّهًا.

وليس معنى الظلم الذي يتنَّزه الله عنه هو معنى الظلم الذي يكون من الآدميِّين بعضهم لبعضٍ، كما تقوله القدريَّة المعتزلة؛ فإن هذا تشبيهٌ لأفعال الله بأفعال العباد.

وكذلك ليس الظلم الذي نفاه عن نفسه هو الممتنع عليه الذي لا يدخل تحت قدرته، كما يقوله الجهميَّة المجبرة. ومعلوم أن الممتنع الذي لا يدخل في المقدور لا يُمدَح به أحدٌ، والله تعالى أخبر أنه حرَّم الظلم على نفسه، كما أخبر أنه كتب على نفسه الرحمة، والممتنع لا يوصف بذلك. وإنما كتب على نفسه وحرَّم على نفسه ما هو قادرٌ عليه، لا ما هو ممتنعٌ عليه (١).

وقول أهل السنَّة وسطٌ بين مقالتي القدريَّة والجبريَّة. وقد هداهم الله للحقِّ الذي تفرَّقوا فيه.

فهؤلاء المبتدعة أرادوا تنزيه الله عن الظلم الذي نفاه عن نفسه، فضلُّوا عن ذلك، فهم على طرفي نقيضٍ في الضلال ومجانبة الحقِّ الذي دلَّت عليه الأدلَّة، ووقعوا في ضلالاتٍ كثيرةٍ، ونسبوا لله مقالاتٍ باطلةً، بسبب جهلهم بالشرع، وتحكيم عقولهم فيما يجوز على الله ويمتنع، وقد تفرَّدت كلُّ طائفةٍ


(١) انظر: منهاج السنة (٥/ ٩٦)، والفتاوى الكبرى (١/ ٧٧)، وطريق الهجرتين (ص: ١١٧)، وشرح الطحاوية (ص: ٤٥٣).

<<  <   >  >>