للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منهما بضلالاتٍ وأخطاء:

فالجهميَّة والأشعريَّة أخطؤوا من وجوهٍ:

الأوَّل: أن الظلم عندهم هو الممتنع لذاته، فلا يدخل تحت قدرة الربِّ، وحينئذٍ فلا يترتَّب على تركه مدحٌ، لعدم تعلُّقه بالاختيار والمشيئة.

قال النجاشي الحارثي في هجاء بني العجلان (١):

قُبَيِّلةٌ لَا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ … وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ

فالمراد عجزهم وضعفهم، لا كمال قدرتهم. ولذا قال: (قُبَيِّلةٌ) بالتصغير على سبيل التحقير (٢).

قال ابن القيِّم: «وعلى قولهم فلا يكون ممدوحًا بترك الظلم؛ إذ لا يُمدَح بترك المستحيل لذاته، ولا فائدة في قوله: (إني حرَّمت الظلم على نفسي) (٣)» (٤).

الثاني: أن الظلم الذي ينفيه هؤلاء الجبريَّة عن الله ليس هو الذي نفاه عن نفسه؛ فإنهم يعتقدون أنه عدمٌ محضٌ يستحيل عليه، لا يتضمَّن عدلًا ولا اختيارًا ولا مشيئةً، وهذا يصحُّ أن يوصف به العاجز الذي لا قدرة له على الفعل، كأن يُقال في الأقطع (لا يسرق)، والأجبِّ (لا يزني)، بل يوصف بذلك الجماد؛ كأن يُقال: (الجدار لا يظلم)، و (الجبل لا يجور). فأيُّ مدحٍ وثناءٍ أثبتوه لله؟!!

قال ابن القيِّم: «فعندهم الظلم لا حقيقة له، بل هو الممتنع لذاته الذي

لا يدخل تحت القدرة، فلا يقدر الربُّ -تعالى- عندهم على ما يُسمَّى ظلمًا


(١) الحماسة الصغرى لأبي تمام (ص: ٢١٦).
(٢) انظر: شرح الطحاوية (ص: ٦١).
(٣) تقدم تخريجه ص (٧٢).
(٤) شفاء العليل (٢/ ٧٥٤).

<<  <   >  >>