للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى يُقال: ترك الظلم وفعل العدل. فعلى قولهم لا فائدة في قوله: «عدلٌ فيَّ قضاؤك»، بل هو بمنزلة أن يُقال: نافذٌ فيَّ قضاؤك ولا بدَّ، وهو معنى قوله: «ماضٍ فيَّ حكمك»، فيكون تكريرًا لا فائدة فيه. وعلى قولهم فلا يكون ممدوحًا بترك الظلم» (١).

ومن الأصول المقرَّرة عند الأئمَّة المحقِّقين من أهل السنَّة: أن كلَّ ما نفى الله عن نفسه فهو يتضمَّن معنى ثبوتيًّا، وهو إثبات (كمال ضدِّ المنفيِّ). وهذا أصلٌ مطَّردٌ في كلِّ الصفات المنفيَّة.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: «وهذا أصلٌ مستمرٌّ، وهو أن العدم المحض الذي لا يتضمَّن ثبوتًا لا مدح فيه ولا كمال، فلا يَمدَح الربُّ نفسه به، بل ولا يصف نفسه به، وإنما يصفها بالنفي المتضمِّن معنى ثبوتٍ» (٢).

ونفي الله الظلم عن نفسه جارٍ على هذا الأصل.

قال ابن القيِّم: «وحَمِد نفسه بأنه لا يظلم أحدًا، لكمال عدله وإحسانه» (٣).

وقال ابن أبي العزِّ الحنفيُّ: «وكذلك كلُّ نفيٍ يأتي في صفات الله -تعالى- في الكتاب والسنَّة إنما هو لثبوت كمال ضدِّه، كقوله تعالى: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩]؛ لكمال عدله» (٤).

وبهذا يتبيَّن ضلال هؤلاء الجبريَّة وقصورهم عن المعنى الصحيح المراد لله بنفيه الظلم عن نفسه عندما زعموا أن الظلم ممتنعٌ عليه.


(١) شفاء العليل (٢/ ٧٥٣ - ٧٥٤).
(٢) دقائق التفسير (٢/ ١٢٦).
(٣) مدارج السالكين (١/ ٥١).
(٤) شرح الطحاوية (ص: ٦١).

<<  <   >  >>