للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبحانه يستحيل الظلم في وصفه؛ لأنه لا يتصرَّف في غير ملكه، ومن تصرَّف في ملكه لم يتقرَّر عليه الاعتراض في فعله، ومَن تصرَّف في ملكه فليس بظالمٍ في أفعاله» (١).

وقال ابن حزمٍ: «وأنه لا يلزم لأحدٍ على الله تعالى حقٌّ ولا حجَّةٌ، ولله تعالى على كلِّ مَنْ دونه وما دونه الحقُّ الواجب والحجَّة البالغة، لو عذَّب المطيعين والملائكة والأنبياء في النار مخلَّدين؛ لكان ذلك له، ولكان عدلًا وحقًّا منه، ولو نعَّم إبليس والكفَّار في الجنَّة مخلَّدين؛ كان ذلك له، وكان حقًّا وعدلًا منه، وإن كلَّ ذلك إذ أباه الله تعالى وأخبر أنه لا يفعله صار باطلًا وجورًا وظلمًا» (٢).

وقال الشهرستانيُّ -في حكاية قول الأشعريَّة في المسألة-: «وهو المالك في خلقه، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. فلو أدخل الخلائق بأجمعهم الجنَّة؛ لم يكن حيفًا، ولو أدخلهم النار؛ لم يكن جورًا، إذ الظلم هو التصرُّف فيما لا يملكه المتصرِّف، أو وضع الشيء في غير موضعه. وهو المالك المطلق؛ فلا يُتصوَّر منه ظلمٌ، ولا يُنسَب إليه جورٌ» (٣).

وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في حكاية قولهم -بعد ذكره لقول المعتزلة في حقيقة الظلم المنفيِّ عن الله-: «فعارض هؤلاء آخرون من أهل الكلام المثبتين للقدر، فقالوا: ليس للظلم منه حقيقةٌ يمكن وجودها، بل هو من الأمور الممتنعة لذاتها، فلا يجوز أن يكون مقدورًا، ولا أن يُقال: إنه هو تاركٌ له باختياره ومشيئته، وإنما هو من باب الجمع بين الضدَّين، وجعل الجسم الواحد في مكانين، وقلب


(١) التبصير في الدين (ص: ١٦٩).
(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل (٣/ ٦٠).
(٣) الملل والنحل (١/ ١٠١).

<<  <   >  >>