للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأكثرهم يقولون بقدرة الله على الظلم والجور ولكنه لا يظلم ولا يجور، كما حكاه عنهم الأشعريُّ (١).

قال القاضي عبد الجبَّار: «وأحد ما يدلُّ على أنه تعالى لا يجوز أن يكون خالقًا لأفعال العباد: هو أن في أفعال العباد ما هو ظلمٌ وجورٌ، فلو كان الله تعالى خالقًا لها لوجب أن يكون ظالمًا جائرًا تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا» (٢).

وقال ابن حزمٍ في نقد معتقدهم: «الكلام في التعديل والتجوير: وهذا الباب هو أصل ضلالة المعتزلة نعوذ بالله من ذلك، على أننا رأينا منهم مَنْ لا يرضى عن قولهم فيه، وذلك أن جمهورهم قالوا: وجدنا مَنْ فَعَل الجور في الشاهد كان جائرًا، ومَن فَعَل الظلم كان ظالمًا، ومَن أعان فاعلًا على فعله ثم عاقبه عليه كان جائرًا عابثًا. قالوا: والعدل من صفات الله تعالى، والظلم والجور منفيَّان عنه. قال تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: ٤٦]، وقال تعالى ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة: ٥٧]، وقال تعالى ﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٠]، وقال تعالى ﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ [غافر: ١٧]. وقد علم المسلمون أن الله تعالى عدلٌ لا يجور ولا يظلم، ومَن وَصَفَه ﷿ بالظلم والجور فهو كافرٌ. ولكن ليس هذا على ما ظنَّه الجهَّال من أن عقولهم حاكمةٌ على الله تعالى في أن لا يحسن منه إلا ما حسَّنت عقولهم وأنه يقبح منه تعالى ما قبَّحت عقولهم، وهذا هو تشبيهٌ مجرَّدٌ لله تعالى بخلقه؛ إذ حكموا عليه بأنه تعالى يحسن منه ما حسن منا ويقبح منه ما قبح منا ويحكم عليه في العقل


(١) مقالات الإسلاميين (١/ ١٦٠).
(٢) شرح الأصول الخمسة (ص: ٣٣٤).

<<  <   >  >>