للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا قول الأشاعرة من حيث الجملة، ثم اختلفوا في تفاصيل ما لا يُطاق على أقوال:

الأوَّل: مَنْ يقول بجواز التكليف بالممتنع لذاته، كالجمع بين النقيضين -كالرازيِّ، وغيره-. واحتجُّوا بأن الله كلَّف أبا لهبٍ بالإيمان مع علمه بأنه لا يؤمن وإخباره بأنه لا يؤمن. فكلَّفه بالجمع بين النقيضين بأن يفعل الشيء وبأن يصدِّق أنه لا يكون مصدِّقا بذلك؛ وهذا ممتنعٌ لذاته (١).

والثاني: من يقول بجواز التكليف بالممتنع عادةً، كالمشي على الوجه، والطيران، دون الممتنع لذاته كالجمع بين النقيضين؛ فإنه لا يُتصوَّر وجوده، فلا يُعقَل الأمر به (٢).

والثالث: مَنْ يقول بجواز التكليف بما لا يُطاق للاشتغال بضدِّه، دون التكليف بما لا يُطاق للعجز؛ فلا يكلِّف الله به. وهذا قول المقتصدين من الأشاعرة، كالقاضي أبي بكر بن الباقلَّانيِّ، وأكثر أصحاب أبي الحسن، كما حكاه عنهم شيخ الإسلام ابن تيميَّة (٣).

قال شارح الطحاويَّة: «وهؤلاء موافقون للسلف والأئمَّة في المعنى، لكن كونهم جعلوا ما يتركه العبد لا يُطاق لكونه تاركًا له مشتغلًا بضدِّه؛ بدعةٌ في الشرع واللغة؛ فإن مضمونه أن فعل ما لا يفعله العبد لا يطيقه! وهم التزموا هذا؛ لقولهم: إن الطاقة -التي هي الاستطاعة، وهي القدرة- لا تكون إلا مع الفعل! فقالوا: كلُّ مَنْ لم يفعل فعلًا؛ فإنه لا يطيقه! وهذا خلاف الكتاب والسنَّة


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٧١).
(٢) انظر: شرح الطحاوية (ص: ٤٤٥).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٦٩).

<<  <   >  >>