للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سمَّاهم ضالِّين، ولوجب أن يُقال: إن إبليس أضلَّ الأنبياء والمؤمنين؛ لأنه سمَّاهم ضالِّين، ولزمهم أن يكون من أقام الحدود على الزناة والسارقين والمرتدِّين مضلًّا لهم؛ لأنه قد جازاهم على ضلالتهم، وهذا فاسدٌ، فما يؤدِّي إليه مثله» (١).

وقال ابن القيِّم : «والقدريَّة تردُّ هذا كلَّه إلى المتشابه، وتجعله من متشابه القرآن، وتتأوَّله على غير تأويله، بل تتأوَّله بما يُقطَع ببطلانه وعدم إرادة المتكلِّم له، كقول بعضهم: المراد من ذلك تسمية الله العبدَ مهتديًا وضالًّا، فجعلوا هداه وإضلاله مجرَّد تسمية العبد بذلك، وهذا مما يُعلَم قطعًا أنه لا يصحُّ حمل هذه الآيات عليه، وأنت إذا تأمَّلتها وجدتها لا تحتمل ما ذكروه ألبتَّة.

وليس في لغة أمَّةٍ من الأمم فضلًا عن أفصح اللغات وأكملها (هداه) بمعنَى: سمَّاه مهتديًا، و (أضلَّه) سمَّاه ضالًّا، وهل يصحُّ أن يُقال: (علَّمه) إذا سمَّاه عالمًا، و (فهَّمه) إذا سمَّاه (فَهِمًا)؟!» (٢).

وقال : «وتأوَّل بعضهم هذه النصوص على أن المراد بها هداية البيان والتعريف لا خلق الهدى في القلب؛ فإن الله سبحانه لا يقدر على ذلك عند هذه الطائفة!!

وهذا التأويل من أبطل الباطل؛ فإن الله سبحانه يخبر أنه قسم هدايته للعبد قسمين: قسمًا لا يقدر عليه غيره، وقسمًا مقدورًا للعباد؛ فقال في القسم المقدور للبشر: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢]، وقال في غير


(١) الفرق بين الفرق (ص: ٣٣٠).
(٢) شفاء العليل (١/ ٢٦٩ - ٢٧٠).

<<  <   >  >>