للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأوَّل مَنْ أظهر ذلك في الإسلام الجهم بن صفوان الذي أجمعت الأمَّة على ضلالته فإنه أوَّل مَنْ أنكر الأسباب والطبائع، كما أنه أوَّل مَنْ ظهر عنه القول بنفي الصفات، وأوَّل مَنْ قال بخلق كلام الله وإنكار رؤيته في الآخرة (١).

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في بيان معتقدهم في إنكار الأسباب بالكلِّيَّة: «ومن الناس مَنْ ينكر القوى والطبائع -كما هو قول أبي الحسن، ومَن اتَّبعه من أصحاب مالكٍ والشافعيِّ وأحمد وغيرهم-. وهؤلاء المنكرون للقوى والطبائع ينكرون الأسباب أيضًا، ويقولون: إن الله يفعل عندها لا بها؛ فيقولون: إن الله لا يُشبِع بالخبز، ولا يُروِي بالماء، ولا يُنبِت الزرع بالماء، بل يفعل عنده لا به. وهؤلاء خالفوا الكتاب والسنَّة وإجماع السلف، مع مخالفة صريح العقل والحسِّ» (٢).

وقال الإمام ابن القيِّم في هذا المعنى: «وهؤلاء الجهميَّة ومَن قال بقولهم يقولون ما يخالف صريح المعقول من وجود مفعولٍ بلا فعلٍ، ومخلوقٍ بلا خلقٍ … وهؤلاء منكرو الأسباب يزعمون أنه لا حرارة في النار تحرق بها، ولا رطوبة في الماء يروي بها، وليس في الأجسام أصلًا لا قوىً ولا طبائع، ولا في العالم شيءٌ يكون سببًا لشيءٍ آخر البتَّة. وإن لم تكن هذه الأمور جحدًا للضروريَّات؛ فليس في العالم مَنْ جحد الضروريَّات» (٣).

وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في بيان قولهم في إنكار الأسباب الشرعيَّة: «قد ظنَّ طائفةٌ ممن تكلَّم في أعمال القلوب أن التوكُّل لا يحصل به جلب


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٤/ ١٩٢).
(٢) المصدر السابق (٩/ ٢٨٨ - ٢٨٧).
(٣) شفاء العليل (٢/ ٤٥٩).

<<  <   >  >>