للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منفعةٍ ولا دفع مضرَّةٍ، بل ما كان مقدَّرًا بدون التوكُّل فهو مقدَّرٌ مع التوكُّل، ولكن التوكُّل عبادةٌ يُثاب عليها من جنس الرضى بالقضاء … ويقولون ذلك في جميع العبادات. وهذا قول مَنْ ينفي الأسباب في الخلق والأمر، ويقول: إن الله يفعل عندها لا بها. وهو قول طائفةٍ من متكلِّمي أهل الإثبات للقدر

- كالأشعريِّ وغيره-، وهو قول طائفةٍ من الفقهاء الصوفيَّة» (١).

وقال ابن القيِّم: «وصرَّح هؤلاء أن التوكُّل والدعاء عبوديَّةٌ محضةٌ، لا فائدة لهما إلا ذلك، ولو ترك العبد التوكُّل والدعاء ما فاته شيءٌ مما قُدِّر له. ومن غلاتهم مَنْ يجعل الدعاء بعدم المؤاخذة على الخطإ والنسيان عديم الفائدة؛ إذ هو مضمون الحصول» (٢).

الرد عليهم:

كلامهم هذا باطل مردود بالأدلة من الكتاب والسنَّة وإجماع علماء الأمَّة، بل بطلانه معلومٌ بالعقل والفطر السليمة والواقع.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: «ومَن قال: إن قدرة العبد وغيرها من الأسباب التي خلق الله تعالى بها المخلوقات ليست أسبابًا، أو أن وجودها كعدمها، وليس هناك إلا مجرَّد اقترانٍ عاديٍّ كاقتران الدليل بالمدلول؛ فقد جحد ما في خلق الله وشرعه من الأسباب والحكم والعلل، ولم يجعل في العين قوَّةً تمتاز بها عن الخدِّ تبصر بها، ولا في القلب قوَّةً يمتاز بها عن الرِّجل يعقل بها، ولا في النار قوَّةً تمتاز بها عن التراب تحرق بها. وهؤلاء ينكرون ما في الأجسام المطبوعة من الطبائع والغرائز. قال بعض الفضلاء: تكلَّم قومٌ من الناس في


(١) جامع الرسائل (١/ ٨٧).
(٢) مدارج السالكين (٢/ ١١٩).

<<  <   >  >>