للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إبطال الأسباب والقوى والطبائع؛ فأضحكوا العقلاء على عقولهم. ثم إن هؤلاء يقولون: لا ينبغي للإنسان أن يقول إنه شبع بالخبز، ورَوِي بالماء، بل يقول: شبعت عنده، ورَوِيت عنده؛ فإن الله يخلق الشِّبَع والرِّيَّ ونحو ذلك من الحوادث عند هذه المقترنات بها عادةً لا بها. وهذا خلاف الكتاب والسنَّة؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ الآية [الأعراف: ٥٧]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ [البقرة: ١٦٤]، وقال تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ [التوبة: ١٤]، وقال: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ [التوبة: ٥٢]، وقال ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ [ق: ٩] … ».

إلى أن قال بعده ذكره جملةً من نصوص الكتاب والسنَّة: «ومثل هذا كثير، ونظير هؤلاء الذين أبطلوا الأسباب المقدَّرة في خلق الله: مَنْ أبطل الأسباب المشروعة في أمر الله؛ كالذين يظنُّون أن ما يحصل بالدعاء والأعمال الصالحة وغير ذلك من الخيرات إن كان مقدَّرًا حصل بدون ذلك، وإن لم يكن مقدَّرًا لم يحصل بذلك» (١).

وقال في موطنٍ آخر: «والناس يعلمون بحسِّهم وعقلهم أن بعض الأشياء سببٌ لبعضٍ، كما يعلمون أن الشِّبَع يحصل بالأكل لا بالعدِّ، ويحصل بأكل الطعام لا بأكل الحصى، وأن الماء سببٌ لحياة النبات والحيوان، كما قال: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠]، وأن الحيوان يروى بشرب الماء


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ١٣٦ - ١٣٨). وانظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٨٦).

<<  <   >  >>