للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالوا: دلَّ الحديث على أن الجزاء غير مترتِّبٍ على الأعمال؛ فدلَّ على أن العبد لا عمل له (١).

الردُّ عليهم:

أما استدلالهم بقوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: ١٧]؛ فهذه الآية حجَّةٌ عليهم، ويظهر هذا ببيان مناسبة نزولها ومعناها.

أورد ابن كثيرٍ في تفسيره عن ابن عبَّاسٍ قال: «رفع رسول الله يديه -يعنِي: يوم بدرٍ- فقال: «يا ربِّ، إِنْ تهلك هذه العصابةُ فلن تُعبد في الأرض أبدًا»، فقال له جبريل: «خذ قبضةً من التراب فارم بها في وجوههم»، فأخذ قبضةً من التراب فرمى بها في وجوههم؛ فما من المشركين أحدٌ إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه ترابٌ من تلك القبضة، فولَّوا مدبرين».

وعن محمَّد بن كعبٍ القرظِيِّ قال: «لما دنا القوم بعضهم من بعضٍ؛ أخذ رسول الله قبضةً من ترابٍ، فرمى بها في وجوه القوم، وقال: «شاهت الوجوه»، فدخلت في أعينهم كلِّهم، وأقبل أصحاب رسول الله يقتلونهم ويأسرونهم … » (٢).

والله تعالى أثبت لرسوله رميًا بقوله: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ﴾؛ فعُلِم أن المثبَت غير المنفيِّ، وذلك أن الرمي له ابتداءٌ وانتهاءٌ، فابتداؤه الحذف، وانتهاؤه الإصابة، وكلٌّ منهما يُسَمَّى رميًا.

فالمعنَى حينئذٍ -والله تعالى أعلم-: وما أصبتَ إذ حذفتَ، ولكن الله أصاب، وإلا فطرد قولهم: وما صلَّيتَ إذ صلَّيتَ ولكن الله صلَّى، أو ما صمتَ


(١) انظر: شرح الطحاوية (ص: ٦٤١).
(٢) تفسير ابن كثير (٤/ ٣١).

<<  <   >  >>