للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذ صمتَ، وما أكلتَ إذ أكلتَ، وما شربتَ إذ شربتَ.

ومعلوم أن الإصابة لجيش كاملٍ بكفٍّ من ترابٍ؛ أن هذا فوق قدرة البشر، وإن كان أصل الرمي من النَّبِيِّ .

فبطل زعم الجبريَّة، ودلَّت الآية على مذهب أهل السنَّة (١).

وأما استدلالهم بالحديث: «لا يدخل أحدٌ منكم الجنَّةَ بعَمَلِهِ»، وأن الجزاء لا يترتَّب على العمل؛ فلا حجَّة لهم فيه؛ فالباء في الحديث (باء العوض)، والحديث دلَّ على نفي أن يكون العمل ثمنًا لدخول الجنَّة.

قال شارح الطحاويَّة: «وأما ترتُّب الجزاء على الأعمال؛ فقد ضلَّت فيه الجبريَّة والقدريَّة، وهدى الله له أهل السنَّة، وله الحمد والمنة؛ فإن الباء التي في النفي غير الباء التي في الإثبات؛ فالمنفيُّ في قوله : «لن يدخل الجنَّة أحدٌ بعمله» (باء العوض)، وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الجنة، كما زعمت المعتزلة أن العامل يستحقُّ دخول الجنَّة على ربِّه بعمله، بل ذلك برحمة الله وفضله.

والباء في قوله: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧]، ونحوها (باء السبب)، أي: بسبب عملكم، والله تعالى هو خالق الأسباب والمسبَّبات، فرجع الكلُّ إلى محض فضل الله ورحمته» (٢).

[٣] الأدلَّة الدالَّة على أن العباد فاعلون على الحقيقة، وأن لهم مشيئةً واختيارًا على أفعالهم بعد مشيئة الله تعالى:

(أ) قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ


(١) انظر: مدارج السّالكين (٣/ ٤٢٦)، وشرح الطحاوية (ص: ٦٤٢).
(٢) شرح الطحاوية (ص: ٦٤٣).

<<  <   >  >>