للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودليلها: قوله تعالى: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: ٢٠]، وقوله: ﴿الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ [الكهف: ١٠١].

وهذه الاستطاعة متعلِّقةٌ بالأوامر الكونيَّة الخلقيَّة التي هي مناط القضاء والقدر، وبها يتحقَّق وجود الفعل الكونيِّ (١).

وقد قرر الأئمة المحققون من أهل السنة نوعي الاستطاعة وذكروا الفرق بينهما:

قال الإمام الطحاويُّ: «والاستطاعة التي يجب بها الفعل -من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به-؛ تكون مع الفعل. وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع، والتمكين وسلامة الآلات؛ فهي قبل الفعل، وبها يتعلَّق الخطاب» (٢).

وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة بعد نقله الأقوال في الاستطاعة: «والصواب الذي دلَّ عليه الكتاب والسنَّة: أن الاستطاعة متقدِّمةٌ على الفعل ومقارنةٌ له أيضًا، وتقارنه أيضًا استطاعةٌ أخرى لا تصلح لغيره. فالاستطاعة «نوعان»: متقدِّمةٌ صالحةٌ للضدَّين، ومقارنةٌ لا تكون إلا مع الفعل. فتلك هي المصحِّحة للفعل المجوِّزة له، وهذه هي الموجِبة للفعل المحقِّقة له» (٣).

وذكر في موطن آخر- أن هذا هو قول المحقِّقين من أهل السنَّة وغيرهم، قال: «وأما الذي عليه المحقِّقون من أئمَّة الفقه والحديث والكلام


(١) انظر: المصدرين السابقين.
(٢) الطحاوية مع شرحها (ص: ٤٣٣).
(٣) مجموع الفتاوى (٨/ ٣٧٢)، وانظر: الفتاوى الكبرى (١/ ١٤٧).

<<  <   >  >>