لسبب مثل هذا اتهم قتادة بالقدر حتى قيل: إن مالكا كره لمعمر أن يروي عنه التفسير لكونه اتهم بالقدر، وهذا القول حق ولم يعرف أحد من السلف قال:«إن الله أكره أحدا على معصية». بل أبلغ من ذلك أن لفظ «الجبر» منعوا من إطلاقه كالأوزاعي والثوري والزبيدي وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم» (١).
وظاهر من كلام شيخ الإسلام براءة قتادة من قول القدرية، وأن قتادة إنما نسب للقول بالقدر لقوله المتقدم في تفسير: ﴿قَدَّرَ فَهَدَى﴾ ثم ذكر أنَّ كلامه حق وصحيح وهو موافق للأئمة.
وكلام قتادة بين ظاهر لكل متأمل أنه لا لبس فيه، فهو ﵀ إنما نفى إكراه الله العباد على المعاصي، ولم ينف تقدير الله لها وخلقها في العباد، وفرق بين الأمرين، والقول بنفي الجبر للعباد على أفعالهم هو قول أهل السنة الذين خالفوا فيه الجبرية، وقولهم بخلق الله لأفعال العباد وتقديرها هو قول أهل السنة الذي خالفوا فيه القدرية.
الترجيح:
وفي الحقيقة إن الناظر ابتداءً في هذه الأقوال في نسبة هذا الإمام للقدر من عدمه يجد أن الأكثر والأشهر من الأئمة على القول بنسبته للقدر، وأن هذا القول من حيث الشهرة ومنزلة من قال به من الأئمة هو الأرجح.
غير أنه بإنعام النظر والتدقيق في مقالات الأئمة الذين نسبوا الإمام قتادة للقدر والوقوف على ألفاظهم وما تقتضيه الأصول في الحكم على المسلمين، وبعض ما سأذكره لاحقًا من وجوه؛ يترجح له براءة الإمام قتادة -إن شاء الله- من القول بالقدر.