للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فرقٌ بين الفعل الذي نفوه، والكسب الذي أثبتوه (١).

ولذا سخر منهم خصومُهم المعتزلةُ وسائرُ العقلاءِ، فقالوا: «ثلاثة أشياء لا حقيقة لها: طفرة النظَّام، وأحوال أبي هاشمٍ، وكسب الأشعريِّ» (٢).

وحقيقة هذا القول يعود إلى قول الجهميَّة الجبريَّة، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: «ولا يقول -أي: الأشعريُّ- إن العبد فاعلٌ في الحقيقة، بل كاسبٌ، ولم يذكروا بين الكسب والفعل فرقًا معقولًا، بل حقيقة قولهم قول جهمٍ: إن العبد لا قدرة له ولا فعل ولا كسب» (٣).

ولهذا عدَّهم بعض العلماء من أصناف الجبريَّة، كما ذهب إلى ذلك الجرجانيُّ في قوله: «الجبريَّة اثنتان: متوسِّطةٌ تثبت للعبد كسبًا؛ كالأشعريَّة، وخالصةٌ لا تثبته؛ كالجهميَّة» (٤).


(١) انظر: النّبوات (١/ ٤٦١، ٥٨١)، ومجموع الفتاوى (٨/ ١٢٨، ٤٦٧).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ١٢٨)، وكسب الأشعري قد تقدّم، وملخّصه: دعواه أنّ العبد ليس هو الفاعل، ولا له قدرة مؤثِّرة في الفعل، ولكن يقول هو كاسبٌ. انظر: النّبوات (١/ ٥٨١).
وأحوال أبي هاشمٍ: المراد بها: الصّفات المعنويَّة التي انفرد بها أبو هاشمٍ الجُبَّائيُّ المتوفى سنة (٣٢١ هـ)، دون سائر المعتزلة، مع نفيه صفات المعانِي؛ فيقول: «لم يزل الله عالمًا قادرًا»، وكان إذا قيل له: لم يزل عالمًا بالأشياء؟ قال: «لا أقول لم يزل عالمًا بالأشياء». ويقول: «هو عالمٌ بذاته، ويعلم الصّفة على الذّات لا بانفرادها». انظر: مقالات الإسلاميّين (١/ ٢٣٨)، والملل والنّحل (١/ ٦٩)، وأضواء على طريق الدّعوة للشّيخ محمّد أمان الجامِي (ص: ١٧٤، ١٧٥).
وطفرة النّظام: هي زعمه أنّه يجوز أن يكون الجسم الواحد في مكانٍ، ثم يصير إلى المكان الثّالث ولم يمرّ بالثّانِي على جهة الطفرة. انظر: مقالات الإسلاميّين (٢/ ١٩).
(٣) كتاب النّبوات (١/ ٤٦١، ٤٦٢).
(٤) التعريفات (ص: ١٠٦).

<<  <   >  >>