للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرتِّبه على حكمةٍ منه فيه، فإذا حصل مراده فيه؛ يُقال: إنه حكيمٌ في فعله» (١).

وقال ابن حزمٍ: «وأما الله تعالى فلا طاعة لأحدٍ عليه، فبطل أن تكون أفعاله جاريةً على أحكام العبيد المأمورين المربوبين المسؤولين عما يفعلون، لكن أفعاله تعالى جاريةٌ على العزَّة والقدرة والجبروت والكبرياء والتسليم له، وأنه لا يُسأل عما يفعل ولا مزيد» (٢).

و احتجَّ أصحاب هذا القول بحجَّتين:

إحداهما: أن ذلك يستلزم التسلسل، فإنه إذا فعل لعلَّةٍ، فتلك العلَّة أيضًا حادثةٌ، فتفتقر إلى علَّةٍ. وهكذا إلى غير نهاية، وهو باطل.

وجواب هذه الشبهة: أن هذا التسلسل هو في الحوادث المستقبلة لا في الحوادث الماضية، فإنه إذا فعل فعلًا لحكمة كانت الحكمة حاصلة بعد الفعل، والتسلسل في المستقبل جائز عند جماهير المسلمين وغيرهم من أهل الملل وغير أهل الملل، فإن نعيم الجنة وعذاب النار دائمان مع تجدد الحوادث فيهما، وإنما أنكر ذلك الجهم بن صفوان (٣).

الثانية: قالوا: مَنْ فعل لعلَّةٍ كان مستكملًا بها، والمستكمل بغيره ناقصٌ بنفسه، وذلك ممتنعٌ على الله (٤).

والجواب عن هذه الشبهة: أن الحكمة صفته سبحانه، وصفاته ليست غيرًا له، فإن حكمته قائمةٌ به كسائر صفاته، فثبوت حكمته لا يستلزم استكماله


(١) التبصير في الدين (ص: ١٦٨).
(٢) الفصل (٣/ ٩٨).
(٣) انظر: منهاج السنة (١/ ١٤٦).
(٤) انظر: المصدر نفسه (١/ ١٤٥).

<<  <   >  >>