للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٥ ــ « ... فهذا ضعيف، والوجه الأكثر الأعرف النصب») (١).

ومن الواضح من هذه الأمثلة أَنَّ سيبويه استخدم ألفاظا معياريَّة مثل: «كثير» و «كَثُرَ»

و«الأكثر» و «قليل» ... ولم يستخدم إِحْصَائِيّات صريحة، وهذا ما سبق وبدأنا به كلامنا قبل ذكر الأمثلة. إِنَّ غاية ما نريد إثباته هنا أَنْ نشير إلى استخدام سيبويه لهذا الاتجاه بدرجة ما.

ولعله ممَّا يدعم كلامنا هنا عن اتخاذ سيبويه لهذا الاتجاه الإحصائي ما قاله البغدادي: «حدثنا على بن سليمان قال: حدثنا محمد بن يزيد: أَنَّ المفتشين من أهل العربية ومن له المعرفة باللغة تتبَّعوا على سيبويه الأمثلة، فلم يجدوه ترك من كلام العرب إلا ثلاثة أمثلة: منها الهُندلِع وهي بقلة، والدُّرْداقِس وهو عظم في القفا، وشَمَنْصير وهو اسم أرض، وقد فسر الأصمعي حروفا من اللغة التي في كتابه، وفسر الجرمي الأبنية، وفسرها أبو حاتم وأحمد بن يحيى. وكلُّ واحد منهم يقول ما عنده فيما يعلمه، ويقف عما لا علم له به، ولا يطعن على ما لا يعرفه، ويعترف لسيبويه في اللغة بالثقة وأنَّه علم ما لم يعلموا وروى ما لم يرووا») (٢).

وفي تتَبُّعنا لتلك الأقوال الدالة على المنهج الإِحْصَائِيّ عند سيبويه يمكن أَنْ نقول بعض الملحوظات المُهِمَّة التالية:

» الملحوظة الأولى: من خلال وقوفنا على الجانب الإحصائي النسبي عند سيبويه يمكن أَنْ نقول إِنَّ التركيب الأساسي للقاعدة النحوِيَّة التي يُقعِّد لها سيبويه هو الأكثر تَرَدُّدًا في النصوص المستخلص منها القاعدة.

وهنا نوجه النظر إلى أَنَّ سيبويه كان يستخلص هذا التركيب الأساسي بناء على «نوع مُعَيَّن من القياس» كان يقوم به.

ولتحديد هذا النوع من القياس نقول ابتداء إنَّه من الخطأ أَنْ نتصور أَنَّ مصطلح القياس «لا يتغير من عصر إلى عصر، ولا يتفاوت مضمونه من مدرسة إلى أخرى، بل [إِنَّهُ من الخطأ أَنْ نتصور] أَنَّه لا يختلف عن القياس المنطقي بما يتطلبه من قضايا، ويفترضه من مقدمات، ويستلزمه من شروط») (٣). وإِنَّنَا بعد التحليل العلمي لاصطلاح القياس يمكن أَنْ نميز «بين مدلولين يختلفان تمام الاختلاف، أَمَّا أولهما فيرتكز على مدى اطراد الظاهرة في النصوص اللُّغَوِيَّة مروية أو مسموعة، واعتبار ما يطرد من هذه الظواهر قواعد ينبغي الالتزام بها، وتقويم ما يشذُّ من نصوص


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٨٦
(٢) البغدادي: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، ت: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي القاهرة، ط ٤، ) ١٩٩٧ م (، ١/ ٣٧٠
(٣) د. على أبو المكارم: أصول التفكير النحوي، دار غريب، القاهرة، ط ١، ) ٢٠٠٦ م (، ص ٣٦

<<  <   >  >>