للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللُّغَة عنها، ومن ثمَّ فإِنَّهُ يرفض الأخذ بالظواهر الشاذة، ويرد هذه الظواهر، كما يرفض الأخذ بالنصوص التي تحملها مهما كان مصدر هذه النصوص.، وأما المدلول الثاني للقياس فهو أَنَّه عَمَلِيَّة شكلية يتم فيها إلحاق أمر ما بآخر لما بينهما من شبه أو علة؛ فيعطي الملحق حكم ما ألحق به. ومن ثَمَّ فَإِنَّ لهذه العَمَلِيَّة أطرافا أربعة: المقيس، والمقيس عليه، والجامع بينهما، والحكم. والمدلول الأول للقياس هو الشائع في البحث النَّحْوِيّ طوال القرون الثلاثة الأولى منه؛ أي حتى ابن السراج وتلميذه الفارسي وتلميذه ابن جني») (١).

وقد استعمل سيبويه القياس بمدلوله الأول، ويدلُّ على ذلك من نصوصه قولُه:

• «وقد جاء ((فُعْلان)) نحو: الشكران والغفران، وقالوا: الشُّكُور، كما قالوا: الجُحُود. فإِنَّما هذا الأَقَلّ نوادر، تحفظ عن العرب، ولايقاس عليها، ولكن الأكثر يقاس عليه») (٢).

((وإن أضفت إلى عباديد قلت: عباديديٌّ؛ لأنَّهُ ليس له واحد؛ وواحده يكون على فُعْلولٍ أو فِعْليلٍ أو فِعلال؛ فإذا لم يكن واحدٌ لم تجاوزه حتَّى تعلم؛ فهذا أقوى من أَنْ أحدث شيئًا لم تتكلَّم به العرب») (٣).

إِنَّنَا بعد أَنْ نقرأ هذه النصوص نشعر أَنَّ سيبويه بعد استخلاصه للتركيب الأساسي للقاعدة يريد أَنْ يقول «هذا هو التركيب الذي وجدته أكثر شيوعا في نصوص اللُّغَة». ولقد كان هذا التركيب الأساسي المستخلص «مسحا لنصوص اللُّغَة» هو «المعيار» الذي يحتكم إليه لإبراز مدى درجة «التراكيب البديلة بالنسبة للتركيب الأساسي» من حيث الكثرة، أو القِلَّة أو الشذوذ.

وأود هنا بعد قولي السابق أنْ أتجرأ قليلا وأعبِّر عن رأي قد يخالف كلاما لأستاذنا شوقي ضيف في كتابه «المدراس النحوِيَّة» عن سيبويه، حيث يقول سيادته:

«وعلى هذا النحو كان سيبويه يعرض سماعه على المقاييس النحوِيَّة، أو بعبارة أدق: كان يتخذ هذه المقاييس مما دار على ألسنة العرب كثيرا، وما خالفه ينحى عليه بكلمات تدلُّ على مخالفته للذائع المشهور الذي استنبطت منه القواعد، وينعته بالغلط، يريد أَنْ يثبت عليهم التوَهُّم فيه» (٤)

فقول سيادته «وينعته بالغلط» أمر مثير للانتباه، فكلمة «غلط» لم ترد في كتاب سيبويه ــ حسبما وقفت ــ إلا أربع مرَّات:


(١) السابق: ص ٢٧
(٢) سيبويه: الكتاب، ٤/ ٨
(٣) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٣٧٩
(٤) المدارس النَّحْوِيَّة، ص ٨٢

<<  <   >  >>