للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«أنَّ سيبويه يحترم اللُّغَة، ولا يمكن أَنْ يفتري عليها قاعدة من عنده، فهو مقيَّد بما تقوله اللُّغَة، ويلتزم بما تُمليه عليه من قواعد».

وهذا الأصل مستخلَص من نصوص عدة ذكرنا بعضها آنفا، ونذكر منها أيضا:

أ « ... لا يجوز أَنْ تقول: يضرب شهري ربيع، وأنت تريد في أحدهما، كما لا يجوز لك في اليومين وأشباههما. فليس لك في هذه الأشياء إلا أَنْ تجريها على ما أجروها، ولا يجوز لك أَنْ تريد بالحرف غير ما أرادوا») (١).

ب « ... وذلك قولك: سلامٌ عليك ولَبَّيْك، وخير بين يديك، ... فَإِنَّما تجريها كما أجرت العرب، وتضعها في المواضع التي وضعن فيها، ولا تُدْخِلَنَّ فيها ما لم يُدخِلوا من الحروف. ألا أترى أنَّك لو قلت: طعاما لك ... ، تريد معنى سَقْيًا، أو معنى المرفوع الذي فيه معنى الدعاء لم يجز، لأنَّهُ لم يستعمل هذا الكلام كما استعمل ما قبله. فهذا يدلُّك ويبصِّرك أَنَّهُ ينبغي لك أَنْ تُجْري هذا الحروف كما أجرت العرب وأَنْ تعنى ما عنوا بها») (٢).

ت «وهذا مذهب، إلا أَنَّهُ ليس يقوله أحد من العرب») (٣).

تنبيهه على أنَّ مذهبا ما لا يوافق كلام العرب دليل على اهتمامه بكلام العرب بكل بيئاته المختلفة

بناء على الأصل السابق نجيب على السؤال الذي طرحناه قبلُ فنقول: إِنَّ سيبويه بعد تجريده للتركيب النَّحْوِيّ يتَتَبَّع هذا التركيب في السِّياقات المختلفة التي يأتي فيها، ويربط هذا التركيب بدلالات هذه السِّياقات. وبالمثال يتضح الكلام.

» المثال الأول: في باب «معنى الواو» أحد أبواب الكتاب يناقش سيبويه بعض الجمل التي تدخلها الواو ومعانيها التي تكون عليها، فيقول: «وكذلك: ما أنت وعبد الله، وكيف أنت وعبد الله، فكأنَّك قلت: ما أنت وما عبد الله، وأنت تريد أَنْ تحقِّر أمرَه أو ترفع أمرَه») (٤).

في هذا النَّصّ لدينا التركيب الآتي:

«أداة الاستفهام) ما / كيف (+ الضمير أنت + حرف العطف الواو + اسم علم»

هذا التركيب يمثِّله في نصّ سيبويه الجملتان المذكورتان «ما أنت وعبد الله، كيف أنت وعبد

الله». وَرَبَطَ سيبويه هذا التركيب بدلالتين: التحقير مَرَّة، والرفعة مَرَّة أخرى. ومن خلال معرفتنا


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢١٨
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٣٠
(٣) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٢٩١، وينظر أيضا الموضعين التاليين: ٢/ ٣٩٠، ٣/ ٤٥٧
(٤) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٠١

<<  <   >  >>