بالأصل السابق ــ وهو أَنَّ سيبويه لن يختلق على اللُّغَة ما ليس فيها ــ نقول: إِنَّ هذا الربط الدِّلَالِيّ بين هذا التركيب وهاتين الدلالتين السِّياقيتين: التحقير والرِّفْعة ــ لابد أَنَّهُ نتج عن تتَبُّع لهذا التركيب في السِّياقات المختلفة التي ورد فيها، وفي كل مَرَّة يجد أنَّ هذا التركيب يرتبط بإحدى هاتين الدلالتين فقرَّر سيبويه في نهاية المطاف أنَّ هذا التركيب يرتبط بهاتين الدلالتين.
» المثال الثاني: يقول سيبويه في نصٍّ ثان:
«واعلم أنَّ ((حتى)) يُرفَع الفعل بعدها على وجهين: تقول: سرت حتى أدخلُها، تعني أَنَّهُ كان دخول متصل بالسير كاتصاله به بالفاء إذا قلت: سرت فأدخلُها، فأدخلها ههنا على قولك: هو يدخل وهو يضرب، إذا كنت تخبر أَنَّهُ في عمله، وأَنَّ عمله لم ينقطع فإذا قال حتى أدخلُها ف كأَنَّه يقول: سرت فإذا أنا في حال دخول، فالدخول متصل بالسير كاتصاله بالفاء ... وأما الوجه الآخر: فإِنَّهُ يكون السير قد كان وما أشبهه، ويكون الدخول وما أشبهه الآن، فمن ذلك: لقد سرت حتى أدخلُها ما أمنع، أي حتى أني الآن أدخلها كيفما شئت. ومثل ذلك قول الرجل: لقد رأى مني عاما أول شيئا حتى لا أستطيع أَنْ أكلمه العام بشيء، ولقد مرض حتى لا يرجونه») (١).
في النَّصّ السابق يتحدَّث سيبويه عن إعراب الفعل المضارع بعد حتى، ويذكر في هذا النَّصّ التركيب التالي:
الفعل المضارع في هذا التركيب ــ كما ينص سيبويه ويقرر ــ يُرفع في حالتين:
- الأولى: أَنْ يكون المضارع دالا على الحال، «أي الوقت الذي يقع فيه الكلام، فزمنه زمن النطق بالكلام»، وهو ما عبَّر عنه بقوله:«دخول متصل بالسير».
- الثانية: أَنْ يكون الفعل المضارع «قد تحقق وانتهى فعلا قبل النطق بالجملة، وكان المناسب أَنْ يذكر الفعل بصيغة الماضي، ولَكِنَّه يعاد ذكره بصيغة المضارع بقصد حكاية الحال»، وهو ما يُعَبِّر عنه بقوله:«لقد سرت حتى أدخلُها ما أمنع، أي حتى أني الآن أدخلها كيفما شئت»
قال ابن السّرَّاج في توضيح دلالة الفعل المضارع في هذا التركيب: «وأما الوجه الثاني من الرفع: فأنْ يكون الفعلُ الذي بعد حتَّى حاضرًا، ولا يراد به اتصاله بما قبله، ويجوز أن يكون ما قبله منقطعًا، ومن ذلك قولك: لقد سرت حتى أدخلها، ما أمنع حتى إني أدخلُها الآن، أدخلُها كيفَ شئت، ومثل قول الرجل: لقد رأى مني عامًا أول شيئًا حتى لا أستطيع أن أكلمه العامَ بشيءٍ. ولقد