للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَرِض حتى لا يرجونه، إنَّما يراد أنَّه الآن لا يرجونه، وأنَّ هذه حاله وقت كلامه، فحتى ها هنا كحرفٍ من حروف الابتداء») (١).

إنَّ سيبويه يربط التركيب السابق بما يحتويه من فعل مضارع مرفوع بهاتين الدلالتين: دلالة الحالِيَّة ودلالة الحكاية عن الماضي. وربط الفعل المضارع المرفوع في التركيب السابق بهاتين الدلالتين ليس بالتأكيد من إبداع سيبويه؛ لأنَّهُ كما قلنا يلتزم بقواعد اللُّغَة ولا يتأوَّل عليها. ولا بدَّ من أَنْ يكون هذا الربط من خلال تتَبُّع التركيب في السِّياقات المختلفة التي ورد فيها هذا التركيب، وبعد هذا التتَبُّع خرج سيبويه بهذه النتيجة التي أثبتها في النَّصّ السابق.

» المثال الثالث: في أحد مواضع الكتاب عقد سيبويه بابا سماه: «هذا بابٌ من الفعل يستعمَلُ فى الاسم ثُمَّ يبدل مكان ذلك الاسم اسمٌ آخَرَ فيَعْمَلُ فيه كما عَمِلَ في الأوّل» يقول فيه:

«قولك: رأيتُ قومَك أكثرَهم، ورأيتُ بني زيد ثُلُثَيْهم، ورأيتُ بنى عمّك ناسًا منهم ... ، فهذا يجيء على وجهينِ: على أَنَّهُ أراد: رأيتُ أكثرَ قومك، ورأيت ثُلُثَي قومك، وصرفتُ وجوهَ أوّلِها، ولَكِنَّه ثَنَّى الاسمَ توكيدًا ... ، ويكون على الوجه الآخرَ الذى أذكره لك، وهو أَنْ يَتكلّمَ فيقولَ: رأيتُ قومَك، ثُمَّ يَبْدوَ له أَنْ يبيَّنَ ما الذى رأى منهم، فيقولَ: ثُلُثَيْهم أَو ناسًا منهم») (٢).

في النَّصّ السابق يتحدَّث سيبويه عن البدل في التركيب التالي:

«فعل + فاعل + مفعول به) مبدل منه (+ بدل»

ويُمَثِّل لهذا التركيب: «رأيت قومك أكثرهم»، «ورأيت بني زيد ثلثيهم»، «رأيت بني عمك ناسا منهم»، وفي هذا النَّصّ يربط البدل في التركيب بدلالتين سياقيتين: الأولى: التوكيد، في قوله:

«ولَكِنَّه ثنى توكيدًا». الثانية: التوضيح والتبيين، في قوله: «ثُمَّ يبدو له أَنْ يبين»، يوضح هذا ابن يعيش قائلا: «وأما الثاني: وهو بدل الشيء من الشيء، وهو بعضه، كقولك: رأيت زيدا وجهه، ورأيت قومك أكثرهم، وثلثيهم، وناسا منهم، وصرفت وجوهها أولها. فالثاني من هذه الأشياء بعض الأول، وأبدلته منه ليعلم ما قصدت له، وليتنبَّه السامع») (٣).

وهذا الربط السِّياقي بين هذا التركيب وهاتين الدلالتين السِّياقيتين ليس بالتأكيد من بنات أفكار صاحب الكتاب؛ لأنَّهُ لا يختلق على اللُّغَة ما ليس فيها، وليس بالتأكيد وليد اللحظة التي كتب فيها


(١) الأصول في النحو، ٢/ ١٥٢
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ١٥٠ ــ ١٥١
(٣) شرح المفصل: ٢/ ٢٥٩

<<  <   >  >>