للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الكلام؛ إذن فلا بدَّ أَنْ يكون هذا الربط السِّياقي ناتج عن تتَبُّع دلالي في السِّياقات المختلفة؛ أي أَنَّ محصلة هذا التتَبُّع تمخض عن ربط البدل في هذا التركيب بهاتين الدلالتين.

»

المثال الرابع: في باب «هذا باب من الجزاء ينجزم فيه الفعل» يقول فيه سيبويه: «وتقول: مُرْهُ يَحفِرْها، وقُلْ له يَقُلْ ذاك، وقال الله ــ عز وجل ــ {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا} [إبراهيم: ٣١]، ولو قلت: مُرْهُ يَحفرُها على الابتداء كان جَيِّدًا») (١).

ويقول السيرافي معلقا على توجيه الرفع عند سيبويه: «وإذا قلت مُرْهُ يحفرها ونحو ذلك جاز في

«يحفرُها» الرفع من وجهين ــ فيما ذكره سيبويه ــ أحدهما الابتداء والاستئناف، فكأَنَّه قال: مُرْهُ فإِنَّهُ يحفرُها ولا يخالف ... ») (٢). في هذا النَّصّ لدينا التركيبان التاليان:

أ «جملة فعلِيَّة طلبية + فعل مضارع مجزوم + فاعل + مفعول».

ب «جملة فعلِيَّة + مبتدأ محذوف أو اسم إِنَّ محذوف + خبر جملة فعلِيَّة».

يمثل التركيب الأول: مُرْهُ يحفرْها، ويُمَثِّل التركيب الثاني: مُرْهُ يحفرُها. تتبع سيبويه التركيب الأول فوجده هو الأكثر تَرَدُّدًا في السِّياقات المختلفة فذكره، ووجد أيضا أَنَّ للتركيب الأول بديلا آخر له نسبة من التردد والتكرار، ووصف هذا التركيب بأَنَّه «جَيِّد». وصفة جَيِّد هذه لا يطلقها إلا على التراكيب التي لها نسبة من الشيوع.

والتركيب الأول ــ حالة الجزم ــ يدل على الطلبِيَّة، كأنَّ المتكلم أمر فكان الحفرُ.

والتركيب الثاني يدل على عدة معان، منها: الابتداء.

يقول المبرِّد في توضيح تلك الدلالات: «وتقول مُرْهُ يحفرُها ومره يحفرْها. فالرفع على ثلاثة أوجه والجزم على وجه واحد وهو أجود من الرفع؛ لأنَّه على الجواب كأنَّه إنْ أمرته حفرها، وأما الرفع فأحد وجوهه: أن يكون يحفرها على قولك: فإنَّه ممّن يحفرُها، كما كان لا تَدْنُ من الأسد يأكلُك ويكون على الحال، كأنَّه قال: مره في حال حفره. فلو كان اسما لكان مُره حافرا لها. ويكون على شيء هو قليلٌ في الكلام، وذلك أن تريد: مره أنْ يحفُرَها فتحذف أنْ وترفع الفعل، لأنَّ عامله لا يضمر») (٣).

إن سيبويه ومن تبعه من النحاة ربطوا ــ بعد التتبع السياقي ــ التركيب الأول بالطلبية، والتركيب الثاني بالابتداء، وأضاف المبرِّد دلالة الحالية.


(١) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٩٩
(٢) السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ٣/ ٣٠٤ [طبعة دار الكتب العلمية]
(٣) المقتضب: ت: محمد عبد الخالق عضيمة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة ١٩٩٤ م، ٢/ ٨٢

<<  <   >  >>