للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونلاحظ هنا: أنَّ سيبويه تتبَّع التركيبَ الأوَّل في سياقات مختلفة فذكره ووجد لهذا التركيب بديلا أقل تكرارا، فذكره ووصفه بالجَيِّد، وربطه بمعنى الاستئناف والابتداء، وهذا التركيب البديل ما كان ليكتشف وجوده إلا من خلال الوقوف على التركيب الأول؛ أي أَنَّ التركيب الأول هو الذي أوقفنا على وجود التركيب الثاني، أي أَنَّنا يمكن أَنْ نقول إِنَّ تتَبُّع سيبويه للتركيب في السِّياقات المختلفة يُوقفه على التركيب الأساسي الأكثر تَرَدُّدًا ويوقفه أيضا على التراكيب الأَقَلّ تَرَدُّدًا.

ولا شك أَنَّ التركيب الثاني ستكون سياقاته التي يرد فيها مرتبطا بتوكيد المعنى، إذ إِنَّ الجملة الاسمِيَّة تستصحب معها ثبات المعني وتأكيده. وهنا نؤكد أَنَّهُ إذا كان سيبويه يهتم اهتماما بالغا بملاحظة المسموع «بصريًّا» من خلال ما أسماه بالإشمام، و «صوتيًّا» من خلال ما أسماه بالإدغام والقلقلة) (١) فمن باب أولى ملاحظة الدلالات السِّياقِيَّة التي ترتبط بتركيب مُعَيَّن.

تلك كانت بعض الأمثلة التي توضح تتَبُّع سيبويه للتركيب في السِّياقات المختلفة، وتحت أيدينا كثير من النصوص التي تدعم هذا العنصر من عناصر المنهج عند سيبويه يضيق المقام عن ذكرها جميعا، لكن فيما تقدم ما هو كفيل بتوضيح الفكرة) (٢).

وهنا نَوَدّ أَنْ نوجِّه النظر إلى عدة أمور مُهِمَّة من وجهة نظرنا:

••الأمر الأول: أنَّ سيبويه عندما رَبَطَ تركيبا مُعَيَّنا بدلالة سِيَاقِيَّة مُعَيَّنة كان هذا يعني أَنَّ هذا الربط ملازم لهذا التركيب، بمعنى أَنَّ التركيب المُعَيَّن الذي ربطه سيبويه بدلالة مُعَيَّنَة إِنْ ظهر أمام متكلم اللُّغَة الخبير فيها والماهر بها) في آية قرآنية أو حديث نبوي أو نثر أدبي أو قصيدة شعر أو مقال صحفي (فَإِنَّ هذا التركيب سيستدعي في ذهنه الدلالات المرتبطة بهذا التركيب. وتبقى هذه الدلالات خيارات تفسيرية قائمة في حالة عدم وجود قرينة تُحَدِّد دلالة مُعَيَّنَة.

وتوظيف هذه الدلالات مجتمعة في تفسير النَّصّ في غياب قرينة محددة يثري النَّصّ دِلالِيًّا، وتكثر المعاني المستنبطة منه.

وهنا نناقش سؤالا قد يُثَار في هذا المقام مُؤَدّاه: هل تعَدُّد الدِّلَالَة دائما مما يثري النَّصّ، أم أَنّهُ أحيانا يضر ويؤدي إلى اللَّبس؟


(١) ومن كلام سيبويه عن القلقلة التي تدل على ملاحظة واعية جدا قوله: ((واعلم أن من الحروف حروفًا مُشْربة ضُغِطَتْ من مواضعها فإذا وقفت خرج معها من الفم صويتٌ ونبا اللسان عن موضعه، وهي حروف القلقلة)). الكتاب، ٤/ ١٧٤، وهذا الانتباه الصوتي لأدق التفاصيل الصَّوْتِيَّة يجعلنا مطمئنين إلى أن سيبويه كان منتبها لكل كبيرة وصغيرة في مسرح الحدث اللغويّ، ومنتبها لما يمكن أن يساهم به السِّياق في التأثير على الجملة.
(٢) من المواضع المُهِمَّة التي تُزيد من هذا العنصر وضوحا: ١/ ٢٥٨، ١/ ٤٠٢ ــ ٤٠٣، ١/ ١٢٠، ١/ ٩٥،

<<  <   >  >>