للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد استعان سيبويه في توجيه الإعرابِيّ هنا بسياق الحال في قوله: «فإنْ أومأت إلى إنسان قد استبان لك فضله ... »، وهو وإن كان مختصرا بعض الشيء إلا أَنَّ له نوع حضور.

وأحيانا يستعين سيبويه في توجيهه بسياق حال «حواري»، يتخَيَّله لكي يقرِّب توجيهه الإعرابِيّ كما في المثالين التاليين:

••عندما يُوَجِّه سيبويه قوله تعالى {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: ٣] يوجِّهُ «الذين» على البدل، ويقول: «وكأَنَّه قال: انطلقوا؛ فقيل له: مَنْ؟ ؛ فقال: بنو فلان. فقوله جل وعز: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} على هذا») (١).

في هذا المثل يوجِّهُ سيبويه إعرابيًّا كلمة «الذين» على البدل، ولكي يوضِّح الإعراب لهذه الكلمة يأتي بجملة من عنده تشبه في تركيبها تركيب الآية، وجملته: «انطلقوا، بنو فلان». ويستعين بسياق حواري متخيَّل بين متكلم ومخاطب، قال المُتَكَلِّم: انطلقوا، فردَّ المخاطب: «مَنْ؟ » فقال المُتَكَلِّم: بنو فلان.

وهذا النَّصّ من كلام سيبويه يتضمن إلماحة خفية في قوله «وكأَنَّه قال: انطلقوا؛ فقيل له: مَنْ؟ » تشير إلى أهمِيَّة سكتات المُتَكَلِّم ووقفاته، وتشير أيضا إلى أهمِيَّة «النسق النَّغَمِي

للجملة» وأهمِيَّة اعتباره في التحليل الدِّلَالِيّ، فالمُتَكَلِّم الذي يقول الجملة الإنشائِيِّة الأمرية «انطلقوا» لا بدَّ أَنْ يقولها بـ «النسق النغمي الخاص بالجملة الأمرية».

ومصطلح النسق النغمي هو مصطلح صكَّه أستاذنا تَمَّام حسان، حيث أشار سيادته إليه وإلى أهميته الدِّلالِيَّة في قوله التالي:

«الجمل العربِيَّة تقع في صيغ وموازين تنغيمية هي هياكل من الأنساق النَّغَميَّة ذات أشكال محددة، فالهيكل التنغيمي الذي تأتي به الجملة الاستفهامية وجملة العرض غير الهيكل التنغيمي لجملة الإثبات، وهنَّ يختلفن من حيث التنغيم عن الجملة المؤكدة. فلكل جملة من هذه صيغة تنغيمية خاصة فاؤها وعينها ولامها وزوائدها وملحقاتها نغمات مُعَيَّنَة، بعضها مرتفع وبعضها منخفض، وبعضها يتفق مع النبر وبعضها لا يتفق معه، وبعضها صاعد من مستوى أسفل، وبعضها هابط من مستوى أعلى، فالصيغة التنغيمية منحنى نغمي خاصّ بالجملة يعين على الكشف عن معناها النَّحْوِيّ ... وأنا أتصور أَنَّكَ لو طلبت إلى أحد المُتَكَلِّمين أَنْ يحاول نطق بعض الجمل وهو مقفل الشفتين لاستطعت في هذه الحالة أَنْ تستمع الهيكل


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٤١

<<  <   >  >>