للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التنغيمي للجملة المرادة دون أَنْ تسمع ألفاظ الجملة نفسها، وسيكون في مقدورك في هذه الحالة أَنْ تقول ما إذا كانت الجملة المرادة التي لم تسمع ألفاظها استفهامًا أو إثباتًا أو تأكيدًا. تفعل ذلك دون حاجة إلى تفكير أو استنتاج؛ لأَنَّ سياق النغمات في كل جملة له من الطابع العرفي المشروط المحدَّد ما للكلمة في دلالتها على معناها، وما للحركة أو الرتبة في دلالتها على الباب النَّحْوِيّ الخاص. والتنغيم في الكلام يقوم بوظيفة الترقيم في الكتابة غير أَنَّ التنغيم أوضح من الترقيم في الدِّلَالَة على المعنى الوظيفي للجملة وربما كان ذلك لأَنَّ ما يستعمله التنغيم من نغمات أكثر مما يستعمله الترقيم من علامات») (١).

إن السِّياق الحواري الذي أتى به سيبويه للتوجيه الإعرابِيّ لكلمة «الذين» يشي ويدلُّ من طرف خفي على وعي سيبويه بهذا النسق النغمي، حتى وإنْ لم ينص عليه صراحة.

••ونجد سيبويه في موضع ثان يستغل هذا السِّياق الحواري في توجيهه، ففي مثال آخر يوضح فيه أجزاء أسلوب المدح يقول: «وإذا قال: عبد الله نعم الرجل، فهو بمنزلة: عبد الله ذهب أخوه؛ كَأَنَّه قال: نعم الرجل؛ فقيل له: من هو؟ فقال: عبد الله. وإذا قال: عبد الله، فكأَنَّه قيل

له: ما شأنه؟ فقال: نعم الرجل») (٢).

وفي بعض الأحيان يرتبط التوجيه الإعرابِيّ بالسِّياق وجودا وعدما؛ بمعنى إِنْ وجد السِّياق وجد الإعراب المرتبط به وإن انتفى السِّياق انتفى الإعراب المرتبط به، يقول سيبويه: «وتقول: حسبته شتمني فأثبَ عليه، إذا لم يكن الوثوب واقعًا، ومعناه: أَنْ لو شتمني لوثبتُ عليه. وإن كان الوثوب قد وقع فليس إلا الرفعُ؛ لأَنَّ هذا بمنزلة قوله: ألستَ قد فعلتَ فأفعلُ») (٣).

ما يُفْهَمُ هنا من هذا النَّصّ أَنَّنا يمكن أَنْ نقول:

» «حسبتُهُ شتمني فأثبَ عليه» ــ بنصب الفعل «أثب» ... في حالة عدم وقوع الشتم بعد.

» «حسبتُهُ شتمني فأثبُ عليه» ــ برفع الفعل «أثب» ... في حالة وقوع الشتم فعلا.

أي أَنَّ حالة النصب أظهرت السببية الموجودة في سياق الحال، أي أَنَّ الشتم كان سيكون سببا في أَنْ يثب السامع على الشاتم. أَمَّا حالة الرفع فتشير إلى الاستئناف، بمعنى أَنَّ الكلام قد تمَّ ويراد


(١) اللُّغَة العَرَبِيَّة معناها ومبناها: ص ٢٢٦
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١٧٦ ــ ١٧٧
(٣) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٣٦

<<  <   >  >>