للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونعلق هنا تعليقا بسيطا قائلين إِنَّ هذه النتيجة التي أقرها سيبويه من ربط علامة الرفع بما هو مستقر وثابت عند المُتَكَلِّم ليست وليدة دراسة نصّ عابر أو نصين، بل لا بدَّ أنَّها ناتجة عن تتَبُّع للتراكيب المشابهة المرفوعة في النصوص الحَيَّة المنطوقة في سياقاتها المختلفة، وهو بعد هذا التتَبُّع والتقصي والإحصاء ربط هذه العلامة بهذه الدِّلَالَة السِّياقِيَّة. ونحنُ متأكِّدون من هذا التتَبُّع والتقصي لسبق معرفتنا بمنهج سيبويه الذي شرحناه قبل.

ــ ونضرب مثالا آخر على أَنَّ التوجيه الإعرابِيّ يعكس الحالة النفسِيَّة للمتكلم:

يناقش سيبويه في أحد مواضع الكتاب الإعراب في الجملتين الآتيتين:

• قد خيف منه خوفٌ، وقد قيل في ذلك قولٌ.

ويجوز أَنْ تكونَ الجملتان: قد خيف منه خوفًا، وقد قيل في ذلك قولًا.

والنص الذي وردت فيه هذه المناقشة هو: «مما يَسْبِقُ فيه الرَّفعُ لأنَّهُ يراد به أَنْ يكون فى موضع غير المصدر قوله: قد خِيفَ منه خوفٌ، وقد قيل فى ذلك قولٌ. إنَّما يريد: قد خيف منه أمرٌ أو شيءٌ، وقد قيل فى ذلك خيرٌ أو شرٌ .... وإنْ حملتَه على ما حملت عليه السَّيرَ والضربَ فى التوكيد، حالًا وقع فيه الفعلُ، أو بدلاً من اللفظ بالفعل؛ نصبتَ») (١).

ما يفهم من هذا الكلام هو أَنَّنا إذا نصبنا كلمة «خوف» في جملة «قد خيف منه خوفًا» يكون توجيهنا لها أَنَّنا يمكن أَنْ نعتبرها «حالا» تبين هيئة صاحبها الذي يظهر في مظهر من تبدو عليه علامات الخوف الظاهرة، وقد نعرب «خوفًا» مفعولا مطلقا يؤكد الفعل «خاف» ويؤكد حدث الخوف في قلب من تشمله الجملة، وإذا رفعنا؛ نكون قد خرجنا عن معنى الحالِيَّة ومعنى المفعول المطلق إلى معنى آخر بعيد عنهما، وتكون معنى جملة «خيف منه خوفٌ؛ يراد «أمرٌ مخوف»، ولم ترد الخوف الذي في القلب») (٢). أي أَنَّ النصب ساهم في إظهار ما في القلب، أَمَّا الرفع فإِنَّنَا ننقل الخوف لأمر بعيد عن القلب والنفس.

وليس في مُكنة العلامة الإعربية فقط أَنْ تعكس الحالة النفسِيَّة لدى المُتَكَلِّم كما دلَّلنا على ذلك فيما سبق بل أيضا يمكنها أَنْ تعكس حالة الشك أو اليقين التي قد يتعرض لها أثناء الكلام؛ أي أَنَّ العلامة الإعربية يمكنها الاستجابة اللحظِيّة والفوريَّة لما يحدث في نفس المُتَكَلِّم من شك ويقين وتعكس ذلك بوضوح.


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٣٣
(٢) السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ٢/ ١٣١

<<  <   >  >>