للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشرٌّ لعدوّنا» أمر ثابت عند المُتَكَلِّم، والأمر الثابت لكي يثبت يجب أَنْ يتمكن من النفس ويستقر فيها وهذا ما أثبتناه قريبا من دلالة علامة الرفع على الثبات.

هذا الثبات والاستقرار الذي تفيده الجملة الاسمِيَّة استغلَّه الإمام الزَّمَخْشَرِيّ ببراعة واقتدار ــ مستفيدا هذا من سيبويه ــ في تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} البقرة: ١٤ فقال: «فإنْ قلت: لِمَ كانت مخاطبتهم المؤمنين بالجملة الفعلِيَّة، وشياطينهم بالاسمِيَّة محقَّقة بأن؟ قلت: ليس ما خاطبوا به المؤمنين جديرًا بأقوى الكلامين وأوكدهما ... وهكذا كل قول) بالجملة الفعلِيَّة (لم يصدر عن أريحية وصدق رغبة واعتقاد. وإمَّا لأنَّهُ لا يروج عنهم لو قالوه على لفظ التوكيد والمبالغة .... وأما مخاطبة إخوانهم) بالجملة الاسمِيَّة (فهم فيما أخبروا به عن أنفسهم من الثبات على اليهودية والقرار على اعتقاد الكفر، والبعد من أَنْ يزلُّوا عنه على صدق رغبة ووفور نشاط وارتياح للتكلم به، وما قالوه من ذلك فهو رائج عنهم متقبَّل منهم، فكان مظنّة للتحقيق ومئِنَّة للتوكيد») (١).

ــ تعليل النصب: أَمَّا تعليل النصب في «خيرَ مقدم» بتقدير فعل «قدمت خيرَ مقدم» فيكون على اعتبار «خير» مفعول مطلق؛ أي أَنَّ خير هنا تؤكد الفعل «قدم»، وهذا أمر بعيد عن المُتَكَلِّم وما يدور في نفسه.

وفي موضع ثان نجد سيبويه يكرر نفس العبارة التي ذكرها في نهاية النَّصّ السابق عند استشهاده بقول عمر بن أبي ربيعة:

هَل تَعرِفُ اليَومَ رَسمَ الدارِ وَالطَلَلا ... كَما عَرَفتَ بِجَفنِ الصَيقَلِ الخِلَلا

دارٌ لِمَروَةَ إِذ أَهلي وَأَهلُهُمُ ... بِالكانِسِيَّةِ نَرعى اللَهوَ وَالغَزَلا [بحر البسيط]

يقول: «فإذا رفعت) دار (فالذي في نفسك ما أظهرت، وإذا نصبت فالذي في نفسك غيرُ ما

أظهرت») (٢).


(١) الكشاف: ١/ ٦٥
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٨٢ وهذا النص من النصوص التي تدل على أَنَّ علامة الرفع ــ بوجه عام ــ ترتبط بما هو ثابت ومستقر في نفس المُتَكَلِّم، فهي دليل استقرار المعنى وثباته عنده. وهذه نتيجة مُهِمَّة نخرج بها من نَصَّي سيبويه السابقين. ويوجد نصّ ثالث في هذه الجزئيَّة وإن لم يكن الكلام فيه واضحا تماما نقله سيبويه عن يُونُس تعليقا على قول النابغة:
أَقارِعُ عَوفٍ لا أُحاوِلُ غَيرَها ... وُجوهَ قُرودٍ تَبتَغي مَن تُجادِعُ [بحر الطويل]
يقول: ((وزعم أنك شئت رفعت البيتين جميعا على الابتداء) يقصد كلمة وجوه في البيت السابق التي هي منصوبة على الذم (، تُضمر في نفسك شيئا لو أظهرته لم يكن ما بعده إلا رفعا))، ٢/ ٧١

<<  <   >  >>