للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مبرور. فإِذا رفعتَ هذه الأشياءَ فالذى فى نفسك ما أظهرتَ، وإذا نصبت فالذى فى نفسك غيرُ ما أظهرتَ)) (١).

أهمُّ ما في النَّصّ السابق جملته الأخيرة، حيثُ تعبِّر العلامةُ الإعرابِيّة عن مكنون نفس المُتَكَلِّم، بمعنى أَنَّ المُتَكَلِّم إذا رأى رجلا قدم من السفر قال له: «خيرَ مقدم» بنصب كلمة

«خير». وعندما يسمع المُتَكَلِّم رجلا يقول: رأيتُ فيما يرى النائم كذا وكذا؛ فيقول المُتَكَلِّم: «خيرًا وما سَرَّ»، بنصب كلمة «خير»، ويجوز الرفع في الجملتين السابقتين؛ فيقول المُتَكَلِّم: «خيرُ مقدم» و «خيرٌ وما سَرَّ». وتفسير هذا التوجيه كما يلي:

• تكون حالة النصب على إضمار فعل، كَأَنَّه قيل: قدمتَ خيرَ مقدم، ويكون ما في نفس المُتَكَلِّم غير ما أظهر.

• وتكون حالة الرفع على اعتبار أَنَّ الكلمة) خير (خبر لمبتدأ محذوف، كَأَنَّنا قلنا: هذا خيرُ مقدم، وهذا خيرٌ لنا وشرٌ لعدونا، ويكون ما في نفس المُتَكَلِّم هو ما أظهر.

ولم يفسر سيبويه بشكل واضح علاقة النصب بعدم إظهار المُتَكَلِّم ما في نفسه، وعلاقة الرفع بإظهار المُتَكَلِّم ما في نفسه. وإذا كان لا بدَّ من اجتهاد وتعليل لذلك فأقول سائلين الله السَّداد:

ــ تعليل الرفع: يمكن أَنْ نعلل علاقة الرفع بإظهار ما في نفس المُتَكَلِّم في جملتي «خيرُ مقدم»

و«خيرٌ وما سر») بتقدير مبتدأ تقديره هذا (بأن المُتَكَلِّم في حالة الرفع يقدر جملة اسمية يبدؤها بمبتدأ، ولا بد أَنْ يكون هذا المبتدأ معرفةً ومعروفا بين المُتَكَلِّم والمخاطب، ) والذي يمثِّله في هذه الحالة كلمة «هذا» التي تعود على ما يُمليه سياقُ الحال «القدوم، رؤية النائم ... » (؛ ولا بدَّ أَنْ يكون المبتدأ معروفا؛ إذ لا يجوز الابتداء بنكرة كما هو معروف، ثُمَّ يأتي الخبر الذي يحمل فائدة لا يعلمها المخاطب؛ إذ لو كان يعلم المخاطب هذه الفائدة لما كانت للجملة الاسمِيَّة كلها فائدة، والفائدة التي يمكن أَنْ يحملها خبر الجملة الاسمِيَّة في ظل سياق حال كاشف ولا يعرفها المخاطب لابد أَنْ تكونَ نابعة من نفس المُتَكَلِّم وغير معروفة للمخاطب، أي أَنَّ ما في نفس المُتَكَلِّم يظهر من خلال حالة الرفع.

ويمكن أَنْ نقدم تعليلا ثانيا لحالة الرفع مستغلين عبارة وردت في إحدى نسخ الكتاب الفرعِيَّة أوردها الأستاذ عبد السلام هارون في الهامش عند ذكر سيبويه تفسير حالة الرفع، يقول: «وأما الرفع فعلى أَنَّهُ جعل ذلك أمرا ثابتا») (٢)، أي أَنَّ «خيرُ مقدم» و «خيرٌ وما سرّ» و «وهذا خيرٌ لنا


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٧٠ ــ ٢٧١
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٧٠ الحاشية ذات الرَّقْم ٤

<<  <   >  >>