للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واختيار التوجيه الإعرابِيّ يترتب على تحديد نوع الجملة؛ إذ «يترتب على أحدهما أَنْ تكونَ الجملة اسمية وعلى الآخر أَنْ تكونَ الجملة فعلِيَّة مع صحتهما؛ لهذا يقول البلاغيون: إِنَّ أحسن الأمرين هو ما يتفق مدلوله مع غرض المُتَكَلِّم، فإنْ لم يعرف غرضه فهما سيان») (١). فإذا كان المراد تنبيه المخاطب للمبتدأ يختار الرفع، يقول سيبويه: «قولك عبد الله اضربه، ابتدأت عبد الله فرفعته بالابتداء، ونبَّهت المخاطب له لتعرِّفَه باسمه، ثُمَّ بنيت الفعل عليه») (٢). وإذا كان المراد الاهتمام بشأن الفعل دون الفاعل كان النصب.

أي أَنَّ إرادة المُتَكَلِّم وما يريده هي المتحكِّمة والغالبة) (٣).

ونضيف معنى آخر لعلامة الرفع نستخلصه من هذا النَّصّ هو معنى التنبيه. وبذلك ومن خلال مجموع النصوص السابقة نكون قد رصدنا لعلامة الرفع ثلاث دلالات عامَّة: الثبات والاستمراريَّة والدِّلَالَة على القوة والتنبيه.

ج ـحالة المُتَكَلِّم النفسِيَّة ومكنونها:

ومما يُثري التوجيه الإعرابِيّ ويؤثِّر فيه ويتعلق بالمُتَكَلِّم ــ حالتُه النفسِيَّة وما تنطوي عليه نفسه من معاني. ومن الغريب أَنْ نقول هنا إِنَّ التوجيه الإعرابِيّ قادر على أَنْ يعكس ما يدور في نفس المُتَكَلِّم من معاني وأحاسيس، وأنَّ العلامة الإعرابِيّة قادرة على إبراز ذلك.

ــ هذا ما فهمناه من نصّ سيبويه التالي:

((ومما يَنتصب على إضمار الفعل المستعمَل إظهارُه، أَنْ ترى الرجلَ قد قَدِمَ من سفرٍ فتقولَ: خَيْرَ مَقْدَمٍ. أو يقولَ الرجلُ: رأيتُ فيما يرى النائمُ كذا وكذا؛ فتقول: خيرًا وما سَرَّ، وخيرًا لنا وشرًّا لعدوّنا. وإن شئت قلت: خيرُ مَقدَمٍ، وخيرٌ لنا وشرٌّ لعدوّنا. أَمَّا النَّصبُ فكأَنَّه بناه على قوله قَدِمْتُ، فقال: قَدِمْتَ خيرَ مَقْدَمٍ، وإن لم يُسمَعْ منه هذا اللفظُ، فإنَّ قدومَه ورؤيتَه إيّاه بمنزلة قوله: قدمتُ. وكذلك إِنْ قيل: قَدِم فلانٌ، وكذلك إذا قال: رأيتُ فيما يرى النائم كذا وكذا، فتقول: خيرًا لنا وشرّا لعدوّنا. فإِذا نصبَ فعلى الفعل. وأمّا الرفع فعلى أَنَّهُ مبتدأ أو مبنيٌّ على مبتدأ، ولم يرد أَنْ يحمله على الفعل، ولَكِنَّه قال: هذا خيرُ مَقْدَمٍ، وهذا خيرٌ لنا وشرٌّ لعدوّنا، وهذا خيرٌ وما سَرَّ. ومن ثَمّ قالُوا: مصاحَبٌ مُعانٌ، ومبرورٌ مأجورٌ، كَأَنَّه قال: أنت مصاحَبٌ، وأنت


(١) عباس حسن: النحو الوافي، ٢/ ١٢٩ الحاشية ذات الرَّقْم ٤
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ١٣٨
(٣) ويمكن أن نعطي مثالا آخر على إرادة المُتَكَلِّم في ١/ ٦٩ عند مناقشته لجملة ((ما زيدٌ كعمرو ولا شبيهًا به)).

<<  <   >  >>