للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتسلُّما، لا خير بيننا وبينكم ولا شر») (١). أي أَنَّ «سلاما» منصوبة لارتباطها بمعنى «البراءة والتسلُّم» من جهة «المُتَكَلِّم» فقط، ومنها آية سورة الفرقان بدليل قرينة سياق الحال التي أثبتها أبو الخطاب.

وقد تابع أبا الخطاب في هذا سيبويهُ؛ لأنَّهُ لم يعلِّق على هذا الكلام.

وفي حالة الرفع قال سيبويه: «واعلم أَنَّ من العرب من يرفع «سلاما» إذا «أراد معنى

المبارأة» ... سمعنا بعض العرب يقول لرجل: لا تكونَنَّ منِّي في شيء إلا سلامٌ بسلام، أي أمري وأمرُك المبارأةُ والمتاركةُ») (٢).

أي أَنَّ: حالة الرفع في «سلاما» ترتبط بالمعنى الذي يريده المُتَكَلِّم، وهو هنا معنى المبارأة والمتاركة. والفرق بين «البراءة» في حالة النصب، و «المبارأة» في حالة الرفع هو أَنَّ البراءة من جانب المُتَكَلِّم فقط، أَمَّا المبارأة فهي من الطرفين؛ فالمبارأة مصدر الفعل «بَارَأَ» على وزن فاعل الذي من معانيه أَنَّهُ يدل على المشاركة، وهو فعل يقع بين اثنين.

وما أخطر عبارة سيبويه التي نقلها عن أبي الخطاب التي قال فيها: «لأَنَّ الآية فيما زعم مكيَّة، ولم يؤمر أَنْ يُسلِّموا على المشركين»؛ ففي هذه الجملة توظيف لسياق الحال بشكل جيد، فالنصب على تقدير: «نسلم منكم سلامًا ونبرأ منكم براءة» من جهة واحدة جهة المسلمين؛ لأَنَّ العلاقة بين المسلمين والكُفَّار علاقة حرب واقتتال، والمسلمون في الجانب الأضعف في هذا الوقت، أَمَّا الرفع فعلى تقدير «أمري وأمرك سلامٌ» على المبارأة؛ أي أَنَّ هناك مشاركة متبادلة بين الطرفين تقتضي وضعا متساويا حربيًّا وقتاليًّا بين الطرفين يسمح بهذه المشاركة.

ولعلني هنا أستنتج استنتاجا، قد أكون مصيبا فيه وقد أكون مخطئا، وهو: «إِنَّ من دلالات علامة الرفع العامة الدِّلَالَة على القوة، ومن دلالات علامة النصب العامة الدِّلَالَة على الرقة واللين والضعف».

- المثال الرابع:

قد تأتي الجملة الاسمِيَّة وخبرها طلبي: أمر، استفهام ... ؛ وفي هذه الحالة ــ كما يقول النُّحَاة ــ يجوز في الاسم المتقدم الرفع أو النصب، مثل: الحيوان ارحمه، أطائرة ركبتها؟ ويكون التوجيه:

• الرفع إذا اعتبرنا الاسم المتقدم مبتدأ وما بعده خبر.

• النصب إذا أعربنا الاسم المتقدم مفعولا به لفعل محذوف وجوبا.


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٢٤ ــ ٣٢٥
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٢٦

<<  <   >  >>