للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- المثال الثاني:

الجملة التالية: «ضُرِب به ضربتين» يجوز فيها أَنْ تقال كما هي هكذا، ويجوز أَنْ يقال فيها

«ضُرِب به ضربتان»، ويتوقَّف الاختيار هنا على إرادة المُتَكَلِّم. نقول هذا التركيب بالرفع إذا أردنا ذكر عدد مرَّات الضرب، وكَأَنَّ الجملة إجابة على سؤال «كم». يقول سيبويه: «وتقول على قول السائل: كَمْ ضَربةً ضرب به، وليس في هذا إضمار شيء سوى كَمْ والمفعولُ كَمْ، فتقول: ضُرِبَ به ضربتانِ، وسير عليه سَيْرتانِ؛ لأنَّهُ أراد أَنْ يبيَّن له العدّةَ، فجرى على سعة الكلام والاختصار، ... وإِنَّمَا المعنى: كَمْ ضُرِبَ الذى وقع به الضَّربَ من ضربةٍ، فأَجابه على هذا المعنى، ولَكِنَّه اتَّسع واختَصر») (١).

أي أَنَّ المخاطب والمستمع أعطى إجابة تناسب السِّياق الذي قيلت فيه) (٢).

ونقول الجملة «ضُرِب به ضربتين» إذا أردنا ذكر المدة الزَّمَنِيَّة التي استغرقها الفعل، كَأَنَّه قال هنا: ضرب به وقت ضربتين. يقول سيبويه: «وتقول: ضرب به ضربتين؛ أي: قدر ضربتين من الساعات، كما تقول: سير عليه ترويحتين، فهذا على الأحيان») (٣). ولا شكَّ أَنَّ اختيار التوجيه هنا يتوقَّف على إرادة المُتَكَلِّم المرتبطة بسياق الحال.

فإذا اتجهت إرادة المُتَكَلِّم المرتبطة حتما بالسِّياق إلى ذكر مرَّات حدوث الفعل كان الرفع، وإذا اتجهت الإرادة لذكر الفترة الزَّمَنِيَّة لذكر الفعل كان النصب.

- المثال الثالث:

تناول سيبويه بالتحليل الإعرابِيّ كلمة «سلاما» في باب «من المصادر ينتصب بإضمار الفعل المتروك إظهاره». ناقش فيه حالة النصب والرفع لهذه الكلمة وأمثالها، فذكر أَنَّ هذه الكلمة في حالة النصب تكون منصوبة بـ «فعل مخزول». ونقل سيبويه عن أبي الخطَّاب أَنَّ حالة النصب تجعل الكلمة «سلاما» مرتبطة بمعنى «البراءة والتسلُّم» من جهة «المُتَكَلِّم». يقول: «وزعم أبو الخطاب أَنَّ مثله قولك للرجل: سلامًا، تريد تسلُّما منك، كما قلت: براءة منك، لا ألتبس بشيء من أمرك ... وزعم أَنَّ هذه الآية {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (٦٣)} [الفرقان: ٦٣] بمنزلة ذلك؛ لأَنَّ الآية فيما زعم مكيَّة، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أَنْ يسلموا على المشركين؛ ولَكِنَّه على قولك: براءةً منكم


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٢٩ ــ ٢٣٠
(٢) وعلى هذا التخريج تخرج كل الجمل المشابهة: ((سير عليه خرجتان، صيد عليه مرتان، بسط عليه مرتان، سير عليه مرتان ... )).
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٣٠

<<  <   >  >>