للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعندما أقول عن فلان: له علمٌ علمُ الفقهاء؛ فهذا يعني أَنَّه قد استقرَّ عندي وثبت لديَّ من خلال مرَّات سابقة ومواقف عديدة أَنَّ هذا المخاطب الذي أقول في حقِّه هذا الكلام له فعلا علم الفقهاء. أَمَّا قولنا: له علمٌ علمَ الفقهاء؛ فهذا الضبط يعني نقيض ما سبق، وقد يعني هذا الضبط في سياق آخر السخرية والاستهزاء.

٢ ــ التوجيه الإعرابِيّ بدون ربط بالسِّياق يؤدي إلى «فوضى دلالية»، كما أشار إلى ذلك صاحب النحو الوافي) (١).

٣ ــ الرفع يرتبط دِلالِيًّا بما هو ثابت ودائم، والنصب يرتبط بما هو متجدِّدٌ وطارئ وغير مستكمَل وأنَّ «المصادر المرفوعة تدلُّ على الثبوت، والمصادر المنصوبة تدل على الحدوث؛ فبالرفع يكون المعنى أَنَّ حالته الثابتة كذلك)؛ أي: تصويته كذلك ... (، وأما حالة النصب فلبيان حالة موقوتة») (٢).

٤ ــ العلامة الإعرابِيّة لها قيمة دلالية مؤثِّرة مرتبطة بها وتُسْتَحْضَرُ في ذهن أبناء اللُّغَة عند ذكر التركيب المشتمل عليها.

٥ ــ ويوقفنا النَّصّ السابق أيضا على خطورة إهمال السِّياق في ((عَمَلِيَّة تعليم القواعد النحوِيَّة))؛ فتعليم القواعد النحوِيَّة كمجرد قواعد جامدة، بدون ربطها بالسِّياقات الاجتِماعِيَّة المختلفة يُهدر كثير من الفوائد ويوقعنا في فوضى كبيرة، وإهمال هذا الجانب الاجتماعِيّ في دراسة القواعد يجعلنا نتساءل: «ما هي الفائدة من اتقان تراكيب اللُّغَة والمقدرة التامة على تركيب الجمل الصحيحة إذا لم يعرف المتحدِّث بها كيف يستخدم الأشكال المناسبة في المواقف المختلفة، وأَنْ يغير تلك الأشكال بتغير نوع الحدث، أو موضوعه، أو الغرض منه أو مناسبته أو المشاركين فيه، إلى آخر مكونات الحدث العشرة التي أشرنا إليها سابقا؟ فكلنا يعرف بالسليقة مثلا أَنَّنا ــ حتى في المجتمع الواحد ــ نستخدم أساليب وطرائق خطاب تختلف باختلاف الإنسان الذي نخاطبه. فالأساليب والطرائق التي نستخدمها مع الغريب غير تلك التي نستخدمها مع القريب ... وكثيرا ما يعتبر استخدام الصيغة الخاطئة إهانة للمخاطب، أو أنَّها على الأَقَلّ يمكن أَنْ تولد انطباعا خاطئا عن المُتَكَلِّم، أو تسبب نوعا من سوء التفاهم، وهذا بالضبط بجميع تعقيداته ما يعنيه القول العربي المأثور: لكل مقام مقال») (٣). واهتمام سيبويه بهذا الجانب الاجتماعِيّ هنا يستحثنا على مزيد اهتمام بهذا الجانب.


(١) يراجع تمهيد هذا البحث، والنحو الوافي، ٤/ ٤٧٧
(٢) د. فاضل السامرائي: معاني النحو، ٢/ ١٧٥
(٣) د. نايف خرما، د. علي حجاج: اللغات الأجنبية تعليمها وتعلمها، ص ٤٨

<<  <   >  >>