للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أي أَنَّ نوعية السِّياق وخصوصيته تؤثر على التوجيه الإعرابِيّ.

٦ ــ في بعض التوجيهات النحوِيَّة قد يلتزم التوجيه بحالة إعرابية واحدة أو بعلامة إعرابية واحدة، ويكون سبب التوجيه مختلف لاختلاف سياق الحال الذي يمكن أَنْ تقال فيه الجملة. ينطبق هذا على هذه الأمثلة التي ناقشها سيبويه في أحد المواضع:

» سير عليه سيرًا.

» انطُلِقَ به انطلاقًا.

» ضرب به ضربًا.

فالكلمات «سيرًا، انطلاقًا، ضربًا» تنصب على وجهين: على أنَّها حال، أو على أنَّها مفعولا مطلقا، يقول سيبويه: «ومما يجئ توكيدًا وينصب قوله: سير عليه سيرا، وانطلق به

انطلاقا، وضرب به ضربا؛ فينصب على وجهين: أحدهما حال ... ، وإن شئت نصبته على إضمار فعل آخر») (١). ولا شك أَنَّ مقام أو موقف الهيئة الذي تعبر عنه الحال غير سياق المفعول المطلق.

ونلاحظ في النَّصّ السابق أَنَّ سيبويه يجعل «الحال والمفعول المطلق» من الوسائل التي قد يأتى بها للتوكيد، كما قال في بداية النَّصّ، ولا شك أنهما يختلفان في المؤكد، فالحال تؤكد هيئة صاحب الحال، والمفعول المطلق يؤكد عامله. ونلاحظ أيضا أَنَّ التفسير السِّياقي المناسب مرتبط بمشيئة المُتَكَلِّم وإرادته. ويفهم ثالثا أَنَّ مجئ المصدر حال يصح في أي موضع. ولكن النُّحَاة يقيدون هذه العمومية بقولهم: «يمكن للمصدر أَنْ يكون حالا إذا تضمن معنى الوصف)؛ أي: معنى المشتق (بحيث تقوم قرينة تدل على هذا») (٢).

٧ ــ نؤكد هنا للمَرَّة الثانية أَنَّ سيبويه يتقيد في معظم توجيهاته الإعرابِيّة بما قالته العرب. أكد على هذا في مواضع منها: «فإنْ قلت: ضُرِبَ زَيدٌ اليَدُ والرِّجْلُ، جاز على أَنْ يكون بدلا، وأَن يكون توكيدا. وإنْ نصبته لم يحسن؛ لأَنَّ الفعل إِنَّمَا أُنْفِذَ في هذه الأسماء خاصة إلى المنصوب إذا حذفتَ منهُ حرف الجرّ، إلاّ أَنْ تَسمعَ العربَ تقول فى غيره، وقد سَمعناهم يقولون: مَطَرَتهُمْ ظهرًا وبطنا») (٣). ونشير هنا مع هذا التأكيد إلى أَنَّ كل التوجيهات النحوِيَّة ليست عند سيبويه على درجة واحد من القوة فبعضها قوي وبعضها ضعيف تبعا لتردد هذا التوجيه في نصوص


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٣١
(٢) عباس حسن: النحو الوافي، ٢/ ٣٧١ ــ ٣٧٢
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ١٦٠

<<  <   >  >>