للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه المقولة القصيرة تدل على اعتبار سيبويه للسياق حتى وإن لم يصرح بذلك، فهو لن يصل إلى هذه النتيجة بدونه. فالاسم كلمة تدلُّ بذاتها على شيء محسوس أو شيء غير محسوس يعرف بالعقل، وهو في الحالتين لا يقترن بزمن (١).

أَمَّا الصفة: فهي ما دَلَّت على معنى وذات، وهذا يشمل اسم الفاعل واسم المفعول، وأفعل التفضيل والصفة المشبهة (٢).

وللوقوف على انتقال الكلمة من هذه الطبيعة إلى تلك لا بد من سياق) (٣).

٥ ــ قد يكون التوجيه النَّحْوِيّ جائزًا في سياق مُعَيَّن ولا يجوز نفس هذا التوجيه في سياق آخر. مثال ذلك: إذا اجتمع متحدِّث مع أحد أقاربه أو إخوانه وأراد هذا القريب أو الأخ أَنْ يخبر المتحدِّث عن نفسه أو عن غيره؛ فقال:

• أنا عبد الله منطلقًا.

• هو زيدٌ منطلقًا.

كان هذا الكلام محالا؛ «لأنَّهُ إِنَّمَا أراد أَنْ يخبرك بالانطلاق، ولم يقل هو ولا أنا حتى استغنيت أنت عن التسمية؛ لأَنَّ هو وأنا علامتان للمضمر؛ وإِنَّمَا يضمر إذا علم أَنَّكَ عرفت من يعني») (٤).

ولكننا إذا أخذنا هاتين الجملتين ووضعناهما في سياق آخر وقلنا إِنَّ «رجلا كان خلف حائط، أو في موضع تجهله فيه؛ فقلت: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله منطلقا في حاجتك؛ كان حسنا») (٥).


(١) النحوالوافي: ١/ ٢٦
(٢) شرح ابن عقيل، ص ١٨٨، ويمكن أن نعطي مثالا على ذلك من قول أبي تَمَّام:
بِحَوافِرٍ حُفرٍ وَصُلبٍ صُلَّبٍ ... وَأَشاعِرٍ شُعرٍ وَخَلقٍ أَخلَقِ [بحر الكامل].

قال التبريزي ــ شارح الديوان ــ: ((والأشاعر جمع أشعر، وهوما ينبت عليه الشعر مما يُقارب الحافر ( ... ) وأصل الأشاعر في الصفات ثم نقل إلى الأسماء؛ فجمع على أفاعل)). ينظر: ديوان أبي تَمَّام بشرح التبريزي: ٢/ ٤١٠
(٣) ويزعم الباحث أيضا أن تأثير السياق غير مقصور فقط على التركيب النحوي، أو البنية الصرفية كما أشرنا، أو الدلالةالمعجمية أو السياقية بل ينال أيضا الجانب الصوتي، بمعنى أن سياق الحال من خلال أحد مكوناته) المتكلم (يؤثر في الجانب الصوتي. يقول د. رمضان عبد التواب: ((وقد دلنا الفرّاء على أنَّ ذلك) تغيير الأصوات (مذهب العرب قديما، في الكلمات والعبارات التي يستقبحونها؛ فيعمدون إلى تشويهها، بتغيير أصواتها للتخفيف من حدة وقعها على السمع)). ينظر: التطور اللغوي، ص ١٢٣، ونص الفراء الذي أشار إليه د. رمضان: ((ومن كلام العرب أن يقولوا: قاتله الله، ثم يستقبحونها؛ فيقولون: قاتعه وكاتعه. ويقولون: جوعا، دعاء على الرجل، ثم يستقبحونها؛ فيقولون: جودا، وبعضهم جوسا. ومن ذلك قولهم: ويحك وويسك، إنما هي ويلك إلا أنها دونها بمنزلة ما مضى)). ينظر: معاني القرآن، عالم الكتب، القاهرة، ط ١، ١٩٨٣ م، ٢/ ٣٦٢
(٤) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٨١
(٥) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٨١

<<  <   >  >>